ما يلزم أخذ الورد | مبحث وقْتِ الورد
مبحث وقْتِ الورد
ولما انتهى الكلام في لوازمِ الوردِ انتقل إلى بيان وقْتهِ فقال: (وقتا الورد) أي هذا مبحث وقْتِ الورد، وضمَّن رَحِمَهُ اللهُ تعالى في هذه الترجمة وقتي الوردِ مختارهما وضروريهما وما يتعلَّق بذلك فقال:
(مُختار وِردِ الصُّبح جـاءَ مُصحَّحا |
|
مِـن بَعـدِ ما صَلاتـُه إلـى الضُّحَـى |
أمّا الضّروري فَمِنْ ذَاكَ إلـى |
|
مَغرِبِنا وهْـو لِمَن قَـدْ شُغِـلاً |
مُختـارُ وِرْد العَصـر بَـعْـد العَـصرِ |
|
إلى العِشَا وغَيـره للفَجـرِ) |
( المختار) و ( الضروري)، ( من بعدما)، ( أماالضروري فمن ذلك)، ( وهو لمن قد شغلا)، ( بعد العصر)؛ ( العشاء)، ( غيره)، ( للفجر).
وأما مختار ورد المساء فمن بعد صلاة العصر إلى العشاء الأخيرة وهو أيضاً لمن لم يشغلْ عنه، والضروري له من العشاء أي من مغيب الشفق إلى طلوع الفجر بعد صلاة العصر إلى انشقاق الفجر كله أداء لورد المساء، والقضاء من وراء ذلك، هذا ملخَّص ما أشارَ إليه الناظم رحمه الله، وهو المنقول عن الشيخ وعليه عملُ جميع أصحابه قولاً واحداً وما وقع لصاحب «الجيش الكبير» من عدم التقييد بالصلاة في الوقتين، فهو ذهول رَحِمَهُ اللهُ تعالى عن الأمر الخاص بطرقتنا الخاصة فلا يلتفت إليه، وإن كان عليه أهلُ طرق أخرى لاعتبارهم في ذلك الوقت مجرداً، ومن تأمَّل ما عليه طريق شيخنا علم أنه الكمال لأنه الجاري على ما أشارت إليه الأخبار الواردة بالترغيب في الذكر في الوقتين والله يجازيه عنا خيرَ جزاء.
ثم لما بيَّن الناظم رَحِمَهُ اللهُ تعالى وقتَ الوردِ مختارَه وضروريَّة عقَّبه بذكر ما يجوز من تقديم ذكرِه على الوقت وما لا يجوز فقال:
(ولاَ تُقدِّمـنَّ فـي النَّهارِ |
|
ذَا الوِردَ للعُذرِ علـى المُختارِ |
وجائـزٌ تقديمـُه للعُـذرِ |
|
مِنْ بَعدِ ما تقرَأ وِرْدَ الفَجْـرِ |
في اللَّيلِ ثُمَّ لَيسَ مِـنْ إشْكالِ |
|
لفضْلِ ذِكـر الله فـي اللَّيالـي |
وورْدَ صُبـحٍ أنْ تُقدَّمـَه علـى |
|
مُخْتارِه بَعـدَ العشاءِ نـُقلا |
بِقَدرِ ما يُتلـى مِـنَ القُـرآنِ |
|
خَمْسةِ أحْـزابٍ بـِلاَ تَـوانِ) |
( النهار)، ( ذا الورد)، ( للعذر)، ( على المختار)،
( وجائز)، ( للعذر)، ( ورد الفجر)، ( في الليل)، ( ثم ليس من إشكال)، ( ورد صبح)، ( على مختاره)، ( نقلاَ)، ( الحزب)، ( بلا توان).و ملخَّص ما أشار إليه في هذه الأبيات ما ثبت متواتراً عن الشيخ من أن وردَ المساء لا يقدم نهاراً يعني لمن أرادَ أن يقدِّمه على وقته المختار بعد ورد الصباح وسواء قبل دخول وقت العصر أو بعد دخوله وقبل صلاة العصر كما تقدم، وهذا إذا كان له عذرٌ يتوقع حصولُه وأحرى إذا لم يكنْ له عذرٌ، نعم من أراد أن يقدِّمه ليلاً فله ذلك لكن بقيد توقع العذر في وقته المختار، وذلك بعد أن يقدِّم وِردَ الصباح لمكان الترتيب، وإنَّما رخَّص الشيخ في التقديم في الليل دون النهار لما اختص به الليل من تضعيف الأعمال فيه بأضعاف كثيرة، وقد ذكر في «الجواهر» عن سيدنا الشيخ في كلامه على فضل صلاة الفاتح لما أغلق أن أعمال َالليل تضاعَفُ على أعمال النهار بخمسمائة ضعف، وعلى هذا فلا إشكال في تخصيص التقديم المذكور بالليل دون النهار، وأما ورد الصباح في صحُّت قديمهُ لمن أراد هو لو بلا عذر ليلاً، والمراد بالليل هنا ما بعد صلا العشاء بقدر ما يقرأ القرىء خمسة أحزاب من القرآن و ينام الناس، بهذا قدَّر سيدنا وقت التضعيف المذكور، فليس المراد ُجوفَ الليلِ ولا السحر، أي ثلث الليل الأخير، كما قد يتبادر.
(تنبيه) ما ذكَرَه في «الجواهر» عن الشيخ من التضعيف يشهد ُله في الجملة ما في الرقاق من صحيح الإمام البخاري من حديثا بنعباس رضي الله عنهما : «كتَبَ الله عَشْرَ حَسَنات ٍإلى سَبعمائة ِضعْف ٍمن أضعاف ٍكَثِيرةٍ»(1) وهو يردُّ على من أخذ بظاهر ِالحديث الآخر : «بعَشْر ِ أمثالها إلى سَبْعمائةِ ضعْفٍ»(2) حيث زعَمَ أن التضعيف لايتجاوزُ هذه الغاية، وانظر «الإرشاد» وغيره من الشروح في باب حسن المرء في الكلام على حديث أبي سعيد الخدري .
****
(2) رواه البخاري في(الإيمان : 31)،ومسلم في (الإيمان: 204)،والترمذي في (فضائل الجهاد: 4).
المختار والضروري
(المختار) و(الضروري) كلاهما وقت أداء، والقضاءُ من ورائهما، وأداء الوردين في وقتهما المختار أولى وأفضلُ، إلا لمن كان له شغلٌ في ذلك الوقت فيشتغل إلى الضروري، فإن فات فيهما فالقضاء.
من بعدما
و(ما) من قوله: (من بعدما) إلخ، زائدة، والمراد من بعد صلاته، والضمير للصبح والمراد بالضحى الضحى الأعلى.
أما الضروري فمن ذلك
والإشارة بذا من قوله: (أماالضروري فمن ذلك) إلخ، إلى الضحى الأعلى والمغرب والعشاء الأولى
بعد العصر
وقوله: (بعد العصر) أي صلاة العصر، فالعصر الأولى: أراد بها الوقت؛ والثانية أراد بها الصلاة.
للفجر
وقوله: (للفجر) أي لطلوع الفجر، وأشار بهذا الذي ضمنه هذه الأبيات إلى ما في «الجواهر» وغيره من أن الورد في طريقنا وردان ورد الصبح وورد المساء، ولكلِّ واحد، من الوردَيْن وقتٌ مختار ووقت ضروري، فالمختار لورد الصبح وهو لمن لم يكن له شغلٌ ولا عذرٌ من بعد صلاة الصبح إلى الضحى الأعلى، والوقت الضروري له أي لورد الصبح من الضحى الأعلى إلى غروب الشمس، وهو أي الضروري لمن كان له شغل فما بعد صلاة الصبح إلى الغروب كله أداء لورد الصبح والقضاء من وراء ذلك.
×
على المختار
وقوله: (على المختار) يعطي بظاهره أن هنالك قولاً آخر مروياً عن الشيخ مقابلاً لهذا وليس كذلك، فلم يبلغْنا عنه شيء من ذلك، فالظاهر أنه أراد ما اختارَه الشيخ في طريقه من بين طرق المشايخ أجمعين.
ووجْه اختياره له هو ما سيذكره في البيتين بعد هذا، والله أعلم. وانظر ما وقع في «الرماح» هنا، فإن ثبتَ له أصلٌ فهو قول مقابل للقول المختار، ولعلَّ الناظم رَحِمَهُ اللهُ اطَّلع على شيء، فلذلك قال على المختار، والذي نحفظُه وهو المتواتر بين أصحاب الشيخ هو ما اقتصرنا عليه ووجهه بيِّن، والله تعالى أعلم.×
للعذر
وقوله: (للعذر) أي المتوقع حصوله في وقته المختار، بأن يغلبَ على الظنِّ أنه يكون في مساء اليوم الذي بعد اليوم الذي هو فيه مشغولاَ
وردالفجر
وقوله: (وردالفجر) أي ورد الصبح، يريد وردَ صباح اليوم الذي هو فيه، أي فيقدمهما معاً على الترتيب.
في الليل
وقوله: (في الليل) أي في التقديم المذكور يكون في الليل لا في النهار، لكن ورد الصباح ولو بلا عذر، وفي ورد المساء للعذر المتوقَّع في وقته المختار.
ثم ليس من إشكال
وقوله: (ثم ليس من إشكال) إرادته لا يشكل حينئذٍ منع تقديم ورْدِ المساء في النهار مع جواز تقديمه في الليل لمكان الفعل، أي تضعيف الأعمال في الليل على النهار كما هو معلوم
نقلاَ
وقوله: (نقلاَ) مبني للمفعول والنائب عن الفاعل محذوف للعلم به، أي نقل جوازه وصحَّته عن الشيخ.t، فنقل هو جواب الشرط