التعريف بالشيخ | زمن ولادة الشيخ

زمن ولادة الشيخ
ثم قال النَّاظم رَحِمَهُ اللهُ تعالى مشيراً إلى بيان زمن ولادتِه على طريقة الرمز مع التورية، متَّبعاً لذلك بما يشير إلى نشأته الطَّاهرة المرضية.

(حصَّل مَفخَرَ العُلا حِينَ وُلذ

 

بعَيْنِ ماضي ذَا بِفَضْلِهَا شَهرْ

أنبته الله نباتاً حسناً

 

في أرغَدِ العيشِ وأنور ِ السَّيْي)


(المفخر) ما يتمذَّح به،
و(العلا) جمع علياء، والمراد المراتب العالية،
و(الحين) الزَّمان و(الولادة) معروفة،
و(عين ماضي) القرية المتقدِّمة الذكر، والماضي
: يطلق في اللُّغة على معانٍ: منها الأسدُ والسيف، ولعلَّ تسميتها من الأول والإشارة بـ (ذا) إلى كون الولادة بها.
و(الفضل) الشرف،
و(شهد) من الشهادة بمعنى الإخبار بما قد شوهد حسبما في المصباح عن ابن فارس، والمراد هنا الدلالة الحالية
و(أنبته الله نباتاً حسناً) أنشأه نشأة صالحة،
و(أرغد العيش) أوسعه وأهناه،
و(أنور سني) أوضحه وأسماه
.
يقول
: حصّل للمراتب العالية و المقامات الرفيعة السامية ما تتمذَّح و تفتخر به حين ولد هذا السيد الجليل  و أرضاه، و ظهرت للوجود طلعته الشريفة، و لاحَ واضحُ سناه، و ذلك في العام المرموز لتاريخه بقوله: «حصل مفخر العلا» و هو عام خمسين و مائة و ألف من هجرة سيد الملا بزاوية عين ماضي مطلع اليمن و الرباح، و مقر أسلافه الكرام المشهورين بالخير و الصلاح. وهذا شاهد مقبول و دليلٌ قاطع على شرفها، و فضلها و فخامة مكانتها عند الله تعالى و سعادة أهلها، لما تقرر عند العلماء الكبار من أن الأماكن تكتسب الشرفَ و الفخار بمن يُولَد بها أو يحلّها الأفاضل و الأخيار.

وَمَا عَرَف الأرْجاءَ إلا َّ رِجَالُهَا

 

و إلاّ فلا فَضْلاً لِترْبٍ على تِرْبِ

و كما كانت هذه البلدة المباركة محلّ ولادته كانت أيضاً محلّ نشأته، فأنبته الله تعالى بها نباتاً حسناً في كفالة أبَوْيه الأكرمين الجليلَيْ القدر العاطري الثَّناء، فكانا حسبما ذكره في "جواهر المعاني" يؤدبانه بآداب السنة الطاهرة، و يهذبانه و يربيانه بأسرار الشريعة و أنوار الحقيقة و يرقيانه. فتربَّى بينهما في عفاف و صيانة و تقًى و ديانة، لا يتقيّد بما عليه الناس من العوائد، و لا يلتفت لما رفعوا إليه من فضول الزوائد، متحلِّياً بالأخلاقِ الحميدة ذوقاً و تحققاً، و مرتدياً رداء العفاف و علوّ الهمَّة جِبلَّةً و خُلُقاً، متصفاً في وروده و صدوره و في جميع ما يتعاطاه من أموره بمَضاء العزْمِ و شدة الحزم. فكان لا يريد شيئاً إلا ابتدأه، و لا يبتدئه إلا أتمّه. و إذا تعلقتْ همَّتهُ بشيءٍ كائناً من كان لا يهنأُ له عيشٌ و لا يقرُّ له قرار حتى يصله و يتجاوزه. و هذا و أبيك العيشُ الرغد، و النعيم الذي لا تنقضي لذتُه على الأبد، إذ لا يخفى أن من كان متحلياً في بدايته بهذه الخِلال الفاخرة كانت نهايتُه إلى درك المواهب السنية و الأسرار الباهرة. و قد ذكر في "جواهر المعاني" أنه لم يختلف جميع من أدركه في حال شبيبته من أئمَّة عصره و علماء قطره في أنه كان من المصطفين من عباد الله، و ممن نشأ في طاعة الله، و ممن هدى و اجتبى إلى صراط الله، فاستوجب بذلك الوراثة و الإمامة، فلم يتقدَّم في عصره أحدٌ أمامه، كما قيل:

فَأَصْبَحَ عَيْنَ الوَقْتِ والقَوْلُ قولُه

 

و َلا أحدٌ في النَّاسِ يبلُغُ قَدْرَه

 

***