خزانة أبي المواهب | كتب التصوف الأخرى
كتب التصوف الأخرى
اضغط على صورة واجهة الكتاب للتعريف بالمصنف، على اسم المؤلف للتعريف بصاحبه، و على عنوان أو أجزاء الكتاب لتحميله كليا أو جزئيا (عند توفره).
« في معاملة المحبوب و وصف طريق المريد إلى مقام التوحيد» - الشيخ أبو طالب المكي (386هـ)
« الرسالة القشيرية» - الأستاذ أبو القاسم القشيري (تـ 465هـ)
« عوارف المعارف» - الإمام شهاب الدين عمر السهروردي (539-632هـ)
« الفتوحات المكية» - الشيخ محي الدين ابن عربي (تـ 638هـ/1240م)
الفتوحات المكية-1، الفتوحات المكية-2، الفتوحات المكية-3، الفتوحات المكية-4، الفتوحات المكية-5، الفتوحات المكية-6، الفتوحات المكية-7، الفتوحات المكية-8، الفتوحات المكية-9، الفتوحات المكية-10، الفتوحات المكية-11، الفتوحات المكية-12، الفتوحات المكية-13، الفتوحات المكية-14.
« تهذيب الأذكار» - الشيخ ضياء الدين المقدسي (569-643هـ/1174-1245م)
النسخة الإلكترونية للكتاب غير متوفرة
«شجرة المعارف و الأحوال و صالح الأقوال و الأعمال» - سلطان العلماء و بائع الأمراء العز بن عبد السلام (577-660هـ/1181-1261م)
«الحكم العطائية» - الشيخ التاج بن عطاء الله السكندري (658-709هـ/1260-1309م)
«لطائف المنن في مناقب الشيخ أبي العباس وشيخه أبي الحسن» - الشيخ التاج بن عطاء الله السكندري (658-709هـ/1260-1309م)
«اللطيفة المرضيّة في شرح دعاء الشاذلية» شرح لـ «حزب البحر»- الشيخ داود بن ماخلا
النسخة الإلكترونية للكتاب غير متوفرة
«المصباح المنير في غريب الشرح الكبير» - الشّيخ أحمد بن محمد بن علي الفيومي المقرئ (تـ770هـ/1368م)
«تاج المفرق في تحليه علماء المشرق» - الشيخ خالد البلوي (المتوفى بعد 767هـ)
«الخبر الدال على وجود القطب و الأوتاد و النجباء و الأبدال» - الإمام جلال الدين السيوطي (المتوفى عام 911هـ)
«تنبيه المغترين أوائل القرن العاشر على ما خالفوا فيه سلفهم الطاهر» - الإمام عبد الوهاب بن أحمد الشعراني (898-973هـ)
«اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر» - الإمام عبد الوهاب بن أحمد الشعراني (898-973هـ)
«العهود الكبرى»أو «لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية» - الإمام عبد الوهاب بن أحمد الشعراني (898-973هـ)
«الطبقات الكبرى»المسمى «لواقح الأنوار القدسية في مناقب العلماء و الصوفية» - الإمام عبد الوهاب بن أحمد الشعراني (898-973هـ)
«البحر المورود في المواثيق و العهود» - الإمام عبد الوهاب بن أحمد الشعراني (898-973هـ)
«حاشية»على شرح الشيخ أبي عبد الله السنوسي لعقيدته الصغرى و المسماة «الفرائد السنية والفوائد السرية على شرح العقيدة السنوسية» - عبد الرحمن بن محمد الفاسي (972-1036هـ)
النسخة الإلكترونية للكتاب غير متوفرة
«الرحلة العياشية» - أبو سالم العياشي (1037-1090هـ/1627-1679م)
الرحلة العياشية-المجلد1، الرحلة العياشية-المجلد2،
«ابتهاج القلوب بخبر الشيخ أبي المحاسن و شيخه المجذوب» - عبد الرحمٰن ابن شيخ الإسلام عبد القادر الفاسي (1040-1096هـ/1631-1685م)
«ممتع الأسماع في ذكر الجزولي و التباع و ما لهما من الأتباع» - الشيخ محمد المهدي الفاسي (1033هـ/1625م - 1109هـ/1698م)
«نزهة الناظر وبهجة الغصن الناضر» - أحمد بن عبد القادر التستاوتي (تـ1127ﮪ/1715م)
النسخة الإلكترونية للكتاب غير متوفرة
«الذهبَ الإبريز في مناقب الشيخ عبد العزيز» - أحمد بن مبارك السجلماسي عن سيدي عبد العزيز الدباغ
«جُنة المريد دون المَريد» - الشيخ محمد بن المختار الكنتي (تـ 1242هـ/1756-1826م)
النسخة الإلكترونية للكتاب غير متوفرة
«بغية الطالب...»للشاذلي «...على ترتيب التجلي بكليات المراتب» - الأمير عبد القادر الجزائري (1223-1300هـ/1808-1860م)
التعريف بالكتاب غير متوفر
«قوت القلوب في معاملة المحبوب و وصف طريق المريد إلى مقام التوحيد»
الشيخ أبو طالب المكي (386هـ)× "قوت القلوب"، كتاب في علم التصوف يشتمل على ثمانية و أربعين فصلاً موزعاً في مجلدين، من تأليف أبو طالب المكي المتوفى سنة 386 هـ، و الذي أخذ منه الغزالي في كتابه "إحياء علوم الدين".
×
الشيخ أبو طالب المكي: الإمام الزاهد العارف، شيخ الصوفية أبو طالب محمد بن علي بن عطية الحارثي، المكي المنشأ، العجمي الأصل.
روى عن أبي بكر الآجري، أبي بكر بن خلاد النصيبي، محمد بن عبد الحميد الصنعاني، أحمد بن ضحاك الزاهد، علي بن أحمد المصيصي، محمد بن أحمد المفيد. و أخذ عنه عبد العزيز الأزجي، و غير واحد.
صفاته:
قال الخطيب: "حدثني العتيقي و الأزهري أنه كان مجتهدا في العبادة". و كانت لأبي طالب رياضات و جوع بحيث أنه ترك الطعام، و تقنع بالحشيش حتى اخضر جلده.
وقال أبو القاسم بن بشران: "دخلت على شيخنا أبي طالب، فقال: "إذا علمت أنه قد ختم لي بخير، فانثر على جنازتي سكرا و لوزا، و قل: "هذا الحاذق"، و قال: "إذا احتضرت، فخذ بيدي، فإذا قبضت على يدك، فاعلم أنه قد ختم لي بخير"، فقعدت، فلما كان عند موته قبض على يدي قبضا شديدا، فنثرت على جنازته سكرا و لوزا".
و كانت وفاته في جمادى الآخرة سنة 386هـ ببغداد في زمن الخليفة العباسي القادر بالله.«الرسالة القشيرية»
الأستاذ أبو القاسم القشيري (تـ 465هـ)×
"الرسالة القشيرية" هي مصنف للإمام أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري الشافعي المتوفى سنة 465 هـ، و هي على أربعة و خمسين باباً و ثلاثة فصول. و تعتبر "الرسالة القشيرية" من أهم المصادر المعتبرة في التعرف إلى مذهب الصوفية المعتدلة، و شرح ألفاظها و مصطلحاتها الشائعة فيما بينهم. فقد حوت هذه الرسالة بين دفتيها مجموعة كبيرة من التعابير التي تدور غالباً على ألسنة الصوفية، كما شرحت الأحوال و المقامات و التجليات التي يصعب أحياناً على القارئ العادي أن يفهمها، و لكن أسلوب القشيري، و سلاسة لغته، قرّبت هذه المفاهيم إلى العقول و القلوب معاً.
و بالإضافة إلى هذا، فقد احتوت هذه الرسالة على تراجم لعدد من كبار المتصوفين، كما نقلت الكثير من أقوالهم و بينت أحوالهم. و قد قسمت هذه الرسالة إلى قسمين: القسم الأول في سير أعلام التصوف و بعض أقوالهم و أفعالهم، كنماذج للمريد يسير على هديها. أما القسم الثاني، فقد عبّر عنه بقوله: "ذكرت فيه بعض سير شيوخ هذه الطريقة في آدابهم و أخلاقهم و معاملاتهم و عقائدهم بقلوبهم، و ما أشاروا إليه من مواجيدهم، و كيفية ترقيهم من بدايتهم إلى نهايتهم، لتكون لمريدي هذه الطريقة قوّة".
و من شروحها: "أحكام الدلالة على تحرير الرسالة" للقاضي زكريا الأنصاري المتوفى سنة 910هـ، و "الدلالة على فوائد الرسالة" لسديد الدين بن محمد عبد المعطي بن محمود بن عبد العلي اللخمي الملا علي القاري في مجلدين.الأستاذ أبو القاسم القشيري
(تـ 465هـ)هو عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري. توفي أبوه و هو طفل صغير و بقي في كنف أمه إلى أن تعلم الأدب، و العربية. ثم رحل بعد ذلك من "إستوا" القرية التي ولد بها، إلى نيسابور قاصدا تعلم ما يكفيه من طرق الحساب لحماية أهل قريته من ظلم عمال الخراج. و أثناء هذه الرحلة حضر حلقة الإمام الصوفي الشهير بأبي علي الدقاق (ت406هـ) و كان لسان عصره في التصوف، و علوم الشريعة، فقبل القشيري (ت465هـ) في حلقته بشرط أن يكتسب الشريعة، و يتقن علومها، فعكف على دراسة الفقه عند أئمته. و لما انتهى منه حضر عند الإمام أبي بكر بن فورك (ت406هـ) ليتعلم الأصول. فبرع في الفقه و الأصول معا، و صار من أحسن تلامذته ضبطا، و سلوكا.
و بعد وفاة أبي بكر اختلف إلى الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني (ت418هـ)، و قعد يسمع جميع دروسه. و بعد أيام قال له الأستاذ: "هذا العلم لا يحصل بالسماع"، فأعاد عليه ما سمعه منه، فقال له: "لست تحتاج إلى دروسي بل يكفيك أن تطالع مصنفاتي، و تنظر في طريقتي و إن أشكل عليك شيء طالعتني به". ففعل ذلك و جمع بين طريقته و طريقة ابن فورك، ثم نظر في كتب القاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني. و بذلك صار القشيري بارعا في الفقه و الأصول، مما دفع بالجويني إمام الحرمين (419/478هـ) أن يصاحبه و يحج معه رفقة أبي بكر البيهقي.
و لم يقتصر القشيري على الفقه و الأصول، بل كان متحققا في علم الكلام و مفسرا، متفننا نحويا و لغويا، أديبا كاتبا شاعرا، شجاعا بطلا، له في الفروسية و استعمال السلاح الآثار الجميلة.
و هكذا حقق الإمام القشيري (ت465هـ) ما طلبه منه أستاذه الدقاق في تحصيل علوم الشريعة. كل ذلك و هو يحضر حلقات أستاذه الدقاق في التصوف و المباحث النفسانية إلى لأن رأى فيه قبسا من النبوغ، و العطاء فزوجه كريمته.
أجمع أهل عصره على أنه سيد زمانه، و قدوة وقته، و بركة المسلمين في ذلك العصر. و أصبح أستاذ خراسان بدون منازع، فصنف العديد من الكتب و الرسائل، منها: "الرسالة القشيرية" في التصوف، "لطائف الإشارات" تفسير للقرآن الكريم في ست مجلدات، "كتاب القلوب" الصغير و الكبير، "شكاية أحكام السماع"، "شكاية أهل السنة".«عوارف المعارف»
الإمام شهاب الدين عمر السهروردي (539-632هـ)× "عوارف المعارف"، كتاب للإمام شهاب الدين عمر السهروردي المتوفى سنة 632هـ في التصوف، إذ يشتمل على بعض علوم الصوفية و أحوالهم و مقاماتهم و آدباهم و أخلاقهم، و حقائق معرفتهم و توحيدهم، و دقيق إشاراتهم و اصطلاحاتهم.
(539-632هـ)
×
شهاب الدين أبو حفص عمر السهروردي البغدادي، أحد علماء أهل السنة و الجماعة و من أعلام التصوف السني في القرن السابع الهجري، و مؤسس الطريقة السهروردية الصوفية، صاحب كتاب "عوارف المعارف".
هو شهاب الدين أبو حفص و أبو عبد الله عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله - وهو عمويه - بن سعد بن حسين بن القاسم بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله ابن فقيه المدينة و ابن فقيهها عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق القرشي التيمي البكري السهروردي الصوفي ثم البغدادي.
ولد في رجب سنة 539هـ و قدم من سهرورد، فصحب عمه أبا النجيب و لازمه و أخذ عنه الفقه و الوعظ و التصوف. و صحب قليلاً عبد القادر الجيلاني، و بالبصرة أبا محمد بن عبد. و سمع من هبة الله بن أحمد الشبلي، و أبي الفتح ابن البطي، و خزيفة بن الهاطرا، و أبي الفتوح الطائي، و أبي زرعة المقدسي، و معمر بن الفاخر، و أحمد بن المقرب، و يحيى بن ثابت.
وصفه الذهبي بـ "الشيخ الإمام، العالم القدوة، الزاهد، العارف المحدث، شيخ الإسلام، أوحد الصوفية". و قال عنه ابن النجار: "كان شهاب الدين شيخ وقته في علم الحقيقة، و انتهت إليه الرياسة في تربية المريدين، و دعاء الخلق إلى الله، و التسليك".
توفي شهاب الدين في بغداد في أول ليلة من سنة 632هـ، ودفن فيها، وبني على قبره منارة.«الفتوحات المكية»
الشيخ محي الدين ابن عربي (تـ 638هـ/1240م)×
"الفتوحات المكية" من أهم كتب ابن عربي في التصوف، كتبها في بداية أمره كرسالة تسمى "الفتح المكي" ثم أكملها بعد زمن حتى أصبحت تحتوي على أكثر من 4000 صفحة. قال فيها: "كنت نويت الحج و العمرة، فلما وصلت أم القرى أقام الله في خاطري أن أعرف الولي بفنون من المعارف حصلتها في غيبتى، و كان الأغلب منها ما فتح الله علي ثم طوافي بيته المكرم".
و قال في الباب الثامن و الأربعين: "و اعلم أن ترتيب أبواب "الفتوحات" لم يكن عن اختيار و لا عن نظر المذوق و إنما، الحق، الله يملي لنا على لسان ملك الإلهام جميع ما نسطره، و قد نذكر كلاماً بين كلامين لا تعلق له بما قبله و لا بما بعده، و ذلك شبيه بقول الله "حافظوا على الصلوات و الصلاة الوسطى" بين آيات طلاق و نكاح و عدة و وفاة".
و قال: "و اعلم أن جميع ما أتكلم فيه في مجالسي و تصانيفي، إنما هو من حضرة القرآن و خزائنه، فإني أعطيت مفاتيح الفهم فيه و الإمداد منه".
و في أوله مقدمة في فهرسة ذكر فيه خمسمائة و ستين باباً، و الباب التاسع و الخمسون و خمسمائة منه باب عظيم جمع فيه أسرار "الفتوحات" كلها. وجد بخطه في آخر "الفتوحات" من هذا الباب في شهر بنو سنة تسع و عشرين و ستمائة.
اختصار "الفتوحات المكية"
وقد اختصرها الشيخ عبد الوهاب بن أحمد الشعراني المتوفى سنة 973هـ و سماه "لواقح الأنوار القدسية المنتقاة من الفتوحات المكية" و فرغ في ذي الحجة سنة ستين و تسعمائة. ثم لخص ذلك التلخيص ثانيا و سماه "الكبريت الأحمر من علوم" ذكر فيه أن جماعة من مشايخ عصره بمصر سألوه اختصاره بمعنى أنه حذف لهم منه كل ما لا تمس الحاجة إليه من المسائل، لا بمعنى تقليل اللفظ و تكثير المعنى، فأجاب و لم يخرج عن ترتيب الشيخ على خمسمائة و ستين بابا.×
هو الشيخ محي الدين محمد بن علي بن محمد بن عربي الحاتمي الطائي الأندلسي، واحد من كبار المتصوفة و الفلاسفة المسلمين على مر العصور، و يعرف عند الصوفية بالشيخ الأكبر و الكبريت الأحمر. لقبه أتباعه و مريدوه من الصوفية بألقاب عديدة، منها: الشيخ الأكبر، رئيس المكاشفين، البحر الزاخر، بحر الحقائق، إمام المحققين، محيي الدين، سلطان العارفين. و للقبه بـ"الشيخ الأكبر" تنسب إليه الطريقة الأكبرية الصوفية.
ولد الشيخ محيي الدين بن عربي في مدينة مرسية بالأندلس في شهر رمضان الكريم عام 558هـ الموافق 1164م قبل عامين من وفاة الشيخ عبد القادر الجيلاني، من أب مارسي و أم أمازيغية. كان أبوه علي بن محمد من أئمة الفقه و الحديث، و من أعلام الزهد و التقوى و التصوف. و كان جده أحد قضاة الأندلس و علمائها، فنشأ نشأة تقية ورعة نقية من جميع الشوائب الشائبة.
و انتقل والده إلى إشبيلية وحاكمها أن ذاك السلطان محمد بن سعد، و هي عاصمة من عواصم الحضارة و العلم في الأندلس. و ما كاد لسانه يبين حتى دفع به والده إلى أبي بكر بن خلف عميد الفقهاء، فقرأ عليه القرآن الكريم بالسبع في كتاب الكافي، فما أتم العاشرة من عمره حتى كان مبرزاً في القراءات ملهماً في المعاني و الإشارات، ثم أسلمه والده إلى طائفة من رجال الحديث و الفقه.
و ذكر أنه مرض في شبابه مرضاً شديداً و في أثناء شدة الحمي رأى في المنام أنه محوط بعدد ضخم من قوى الشر، مسلحين يريدون الفتك به. وبغتة رأى شخصاً جميلاً قوياً مشرق الوجه، حمل على هذه الأرواح الشريرة ففرقها شذر مذر ولم يبق منها أي أثر فيسأله محيي الدين من أنت ؟ فقال له أنا سورة يس. و على أثر هذا استيقظ فرأى والده جالساً إلى وسادته يتلو عند رأسه سورة يس. ثم لم يلبث أن برئ من مرضه.
و تزوج بفتاة تعتبر مثالاً في الكمال الروحي والجمال الظاهري وحسن الخلق، فساهمت معه في تصفية حياته الروحية، بل كانت أحد دوافعه إلى الإمعان فيها.
و في هذه الأثناء كان يتردد على إحدى مدارس الأندلس التي تعلم فيها سراً مذهب الأمبيذوقلية المحدثة المفعمة بالرموز والتأويلات والموروثة عن الفيثاغورية والاورفيوسية والفطرية الهندية. وكان أشهر أساتذة تلك المدرسة في ذلك القرن ابن العريف المتوفى سنة 1141م.
و لم يشارف العشرين حتى أعلن أنه جعل يسير في الطريق الروحاني، و أنه بدأ يطلع على أسرار الحياة الصوفية، و أن عدداً من الخفايا الكونية قد تكشفت أمامه وأن حياته سلسلة من البحث المتواصل عما يحقق الكمال لتلك الاستعدادات الفطرية. ولم يزل عاكفاً حتى ظفر بأكبر قدر ممكن من الأسرار.
و في هذا العصر رأى في حالة اليقظة أنه أمام العرش الإلهي المحمول على أعمدة من لهب متفجر، و رأى طائرا بديع الصنع يحلق حول العرش و يصدر إليه الأمر بأن يرتحل إلى الشرق و ينبئه بأنه سيكون هو مرشده السماوي، و بأن رفيقاً من البشر ينتظره في مدينة فاس 594هـ.
وفي السنة 595هـ كان في غرناطة مع شيخه أبي محمد عبد الله الشكاز. و فيما بين سنتي 597هـ، 620هـ الموافق سنة 1200، 1223 يبدأ رحلاته الطويلة المتعددة إلى بلاد الشرق، فتنقل بين البلاد.
ففي السنة 1201م إلى مكة فاستقبله فيها شيخ إيراني وقور جليل عريق المحتد ممتاز في العقل و العلم و الخلق و الصلاح. و تزوج بـ "نظام" ابنة ذلك الشيخ و قد حباها الله بنصيب موفور من المحاسن الجسمية و الميزات الروحية الفائقة، و اتخذ مهنا محيي الدين رمزا ظاهريا للحكمة الخالدة و أنشأ فيها قصائد سجلها في ديوان "ترجمان الأشواق".
و في ذلك الحين في إحدي تأملاته رأى مرشده السماوي مرة أخرى يأمره أيضا بتأليف كتابه الجامع الخالد "الغزوات المكية" الذي ضمن فيه أهم أرائه الصوفية و العقلية و مبادئه الروحية.
و في سنة 599هـ زار طائف، و في زيارته بيت عبد الله بن العباس ابن عم رسول الإسلام صلى الله عليه و سلم، استخار الله و كتب رسالة "حلية الأبدال" لصاحبيه أبي محمد عبد الله بن بدر بن عبد الله الحبشي و أبي عبد الله محمد بن خالد الصدفي التلمساني.
و في سنة 601هـ/1204م ارتحل إلى الموصل حيث جذبته تعاليم الصوفي الكبير علي بن عبد الله بن جامع الذي تلقى لبس الخرقة عن الخضر مباشرة، ثم ألبس محيي الدين إياها بدوره. و في نفس السنة زار قبر رسول الإسلام، و كما قال: "و قد ظلمت نفسي و جئت إلى قبره صلى الله عليه و سلم، فرأيت الأمر على ما ذكرته و قضى الله حاجتي و انصرفت و لم يكن قصدي في ذلك المجيء إلى الرسول إلا هذا الهجير".
و في سنه 1206م التقى في طريقه مع فريق الصوفية في القاهرة. و في سنة 1207م عاد إلى مكة، و أقام بها ثلاثة أعوام. ثم عاد إلى دمشق و زار قونية بتركيا حيث لقاه أميرها السلجوقي باحتفال بهيج. و تزوج هناك بوالدة صدر الدين القونوي. ثم لم يلبث أن يرتحل إلى أرمينيا.
و في سنة 1211م رحل إلى بغداد و لقي هناك شهاب الدين عمر السهروردي الصوفي المشهور.
و في سنه 1214م زار مكة و وجد عدد من فقهائها الدساسين قد جعلوا يشوهون سمعته لسبب القصائد التي نشرها في ديوانه الرمزي منذ ثلاثة عشر عاما و مر إلى دمشق عائدا.
و بعد ذلك رحل إلى حلب و أقام فيها ردحا من الزمن معززا مكرما من أميرها. و استقر أخيراً في دمشق سنه 1223م حيث كان أميرها أحد تلاميذه و من المؤمنين بعلمه و نقائه. وعاش حياته في دمشق يؤلف و يعلم، و كان واحدا من كبار العلماء بين أهل العلم و الفقه في دمشق. فدون و كتب مراجعه و مؤلفاته، و كان له مجلس العلم و التصوف في رحاب مجالس دمشق و بين علماء الفقه و العلم بدمشق و مدارسها.
و توفي في دمشق عام 638هـ الموافق 1240م. و دفن في سفح جبل قاسيون.
"فيا إخوتي و أحبائي رضي الله عنكم، أشهدكم عبد ضعيف مسكين فقير إلى الله في كل لحظة وىطرفة، أشهدكم على نفسه بعد أن أشهد الله و ملائكته، و من حضره من المؤمنين و سمعه أنه يشهد قولا و عقدا، أن الله إله واحد لا ثاني له، و ألوهيته منزهة عن الصاحبة و الولد، مالك لا شريك له في الملك و لا وزير له، صانع لا مدبر معه، موجود بذاته من غير افتقار إلى موجد يوجده، بل كل موجود سواه مفتقر إلى الله في وجوده، فالعالم كله موجود به، و هو وحده متصف بالوجود لنفسه، ليس بجوهر متحيز فيقدر له مكان، و لا بعرض فيستحيل إليه البقاء، و لا بجسم فتكون له الجهة و التلقاء، مقدس عن الجهات و الأقطار، مرئي بالقلوب و الأبصار، ..." النص الكامل
محيي الدين ابن عربي
أهم كتبه: "تفسير ابن عربي" و يضم تفسيره للقرآن للإطلاع على التفسير، "الفتوحات المكية" المكوُن من 37 سفر و 560 باب..الذي وُصف بأنه من النصوص الصوفية الموغلة في التعمق و أن لغته رمزية و بها إشارات إلهية، "فصوص الحكم" الذي أثار جدلاً كبيرا في وقته و لازال مصدراً للجدل، ديوان "ترجمان الأشواق" الذي خصصه لمدح نظام بنت الشيخ أبي شجاع بن رستم الأصفهاني التي عرفها في مكة سنة 598هـ عندما قدم إليها لأول مرة قادما من المغرب، "شجرة الكون" يتحدث فيه عن الكون مشبهاً إياه بشجرة أصلها كلمة "كٌن"، "الإعلام بإشارات أهل الإلهام"، "كتاب اليقين" الذي تناول موضوع اليقين الذي حير عديد من فلاسفة ذلك العصر.(569-643هـ/1174-1245م)
×
محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن منصور، الشيخ الإمام الحافظ القدوة المحقق المجود الحجة بقية السلف ضياء الدين أبو عبد الله السعدي المقدسي الجماعيلي ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي صاحب التصانيف والرحلة الواسعة . عالم بالحديث و مؤرخ، من أهل دمشق، مولدا و وفاة. ولد سنة 569هـ بالدير المبارك بقاسيون.
روى عن أكثر من 500 شيخ و رحل إلى بغداد، و مصر، و فارس و بقي في الرحلة المشرقية مدة سنين. فسمع في سنة 576 وبعدها من أبي المعالي بن صابر، و الخضر بن طاوس، و الفضل بن البانياسي، و عمر بن حمويه، و يحيى الثقفي، و أحمد بن علي بن حمزة بن الموازيني، و محمد بن حمزة بن أبي الصقر، و ابن صدقة الحراني، و عبد الرحمن بن علي الخرقي، و إسماعيل الجنزوي، و بركات الخشوعي، و خلق كثير بدمشق؛ و سمع من أبي القاسم البوصيري، و إسماعيل بن ياسين، و عدة بمصر؛ و أبي جعفر الصيدلاني، و القاسم بن أبي المطهر الصيدلاني، و عفيفة الفارفانية، و خلف بن أحمد الفراء، و أسعد بن سعيد بن روح، و زاهر بن أحمد الثقفي، و المؤيد بن الإخوة، و خلق بأصبهان؛ و المؤيد الطوسي، و زينب الشعرية، و عدة بنيسابور؛ و أبي روح عبد المعز بن محمد، و طائفة بهراة؛ و أبي المظفر بن السمعاني، و جماعة بمرو؛ و الافتخار الهاشمي بحلب؛ و عبد القادر الرهاوي و غيره بحران؛ و علي بن هبل بالموصل و بهمذان؛ و غير ذلك. و سمع ببغداد من المبارك بن المعطوش، و أبي الفرج بن الجوزي، و ابن أبي المجد الحربي، و أبي أحمد بن سكينة، و الحسين بن أبي حنيفة، و الحسن بن أشنانة الفرغاني و خلق كثير.
و تخرج بالحافظ عبد الغني، و برع في هذا الشأن. كما كتب عن أقرانه و من هو دونه، كخطيب مردا، و الزين بن عبد الدائم. حصل الأصول الكثيرة، و جرح و عدل، و صحح و علل، و قيد و أهمل، مع الديانة و الأمانة، و التقوى و الصيانة، و الورع و التواضع، و الصدق و الإخلاص و صحة النقل. و لم يزل ملازما للعلم و الرواية و التأليف إلى أن مات، و تصانيفه نافعة مهذبة. و يتقنع باليسير، و يجتهد في فعل الخير، و نشر السنة، و فيه تعبد و انجماع عن الناس، و كان كثير البر و المواساة، دائم التهجد، أمارا بالمعروف، بهي المنظر، مليح الشيبة، محببا إلى الموافق و المخالف، مشتغلا بنفسه رضي الله عنه.
قال الحافظ محب الدين بن النجار في ''تاريخه'': ''كتب أبو عبد الله بخطه، و حصل الأصول، و سمعنا منه و بقراءته كثيرا، ثم إنه سافر إلى أصبهان فسمع بها من أبي جعفر الصيدلاني و من جماعة من أصحاب فاطمة الجوزدانية...''
إلى أن قال: ''...و أقام بهراة و مرو مدة، و كتب الكتب الكبار بخطه، و حصل النسخ ببعضها بهمة عالية و جد و اجتهاد و تحقيق وإتقان، كتبت عنه ببغداد و نيسابور و دمشق، و هو حافظ، متقن، ثبت، صدوق، نبيل، حجة، عالم بالحديث و أحوال الرجال، له مجموعات و تخريجات، و هو ورع، تقي، زاهد، عابد، محتاط في أكل الحلال، مجاهد في سبيل الله. و لعمري ما رأت عيناي مثله في نزاهته، و عفته، و حسن طريقته في طلب العلم''.
ثم قال: ''أخبرني أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد، أخبرنا أبو جعفر الصيدلاني، أخبرنا أبو علي الحداد - يعني حضورا -، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا ابن خلاد، حدثنا الحارث بن محمد، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا حميد الطويل، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سقط عن فرسه فجحش شقه أو فخذه و آلى من نسائه شهرا، فجلس في مشربة له درجها من جذوع فأتاه أصحابه يعودونه فصلى بهم جالسا و هم قيام، فلما سلم قال: ''إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، و إذا ركع فاركعوا، و إذا سجد فاسجدوا، و إذا صلى قائما فصلوا قياما، و إن صلى قاعدا فصلوا قعودا'' و نزل التسع و عشرين، قالوا: ''يا رسول الله إنك آليت شهرا''، قال: ''إن الشهر تسع و عشرون''. أخبرني بهذا القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة قال: أخبرنا شيخنا الحافظ ضياء الدين محمد، فذكره''''
بنى الشيخ ضياء الدين بسفح قاسيون، شرقي الجامع المظفري مدرسة ''دار الحديث الضيائية المحمدية''، و كان يبني فيها بيده، و وقف بها كتبه. و من تصانيفه المشهورة: ''الأحكام'' في الحديث (لم يتمه، ثلاث مجلدات)، و ''فضائل الأعمال'' (مجلد)، و ''الأحاديث المختارة'' (عمل نصفها في ست مجلدا و تسعون جزءا)، و ''فضائل الشام'' (أربعة أجزاء)، و ''فضائل القرآن'' (جزء)، "صفة الجنة" (ثلاثة أجزاء)، "صفة النار" (جزآن)، "ذكر الحوض" (جزء)، "فضل العلم" (جزء)، و ''مناقب أصحاب الحديث'' (أربعة أجزاء)، ''النهي عن سب الأصحاب" (جزء)، و ''مناقب جعفر بن أبي طالب'' (رسالة)، "سيرة المقادسة" (مجلد كبير و نحو عشرة أجزاء في سبب هجرة المقادسة إلى دمشق) و ''الحكايات المقتبسة'' في كرامات بعض الصالحين جزء منه، "سيرة شيخيه الحافظ عبد الغني والشيخ الموفق" (أربعة أجزاء)، "قتال الترك" (جزء).
و روى عن الشيخ ضياء الدين خلق كثير، منهم: ابن نقطة، و ابن النجار، و سيف الدين بن المجد، و ابن الأزهر الصريفيني، و زكي الدين البرزالي، و مجد الدين بن الحلوانية، و شرف الدين بن النابلسي، و ابنا أخويه الشيخ فخر الدين علي بن البخاري و الشيخ شمس الدين محمد بن الكمال عبد الرحيم، و الحافظ أبو العباس بن الظاهري، و أبو عبد الله محمد بن حازم، و العز بن الفراء، و أبو جعفر بن الموازيني، و نجم الدين موسى الشقراوي، و القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة، و أخواه محمد و داود، و إسماعيل بن إبراهيم بن الخباز، و عثمان بن إبراهيم الحمصي، و سالم بن أبي الهيجاء القاضي، و محمد بن خطيب بيت الأبار، و أبو علي بن الخلال، و علي بن بقاء الملقن، و أبو حفص عمر بن جعوان، و عيسى بن معالي السمسار، و عيسى بن أبي محمد العطار، و عبد الله بن أبي الطاهر المقدسي، و زينب بنت عبد الله بن الرضي، و عدة.
قال عمر بن الحاجب: ''سألت زكي الدين البرزالي عن شيخنا الضياء، فقال: "حافظ، ثقة، جبل، دين، خير"".
و قال عمر بن الحاجب أيضا: ''شيخنا الضياء شيخ وقته و نسيج وحده علما، و حفظا، و ثقة، و دينا، من العلماء الربانيين، و هو أكبر من أن يدل عليه مثلي''.
وذكر إسماعيل المؤدب أنه سمع الشيخ عز الدين عبد الرحمن بن العز يقول: ''ما جاء بعد الدارقطني مثل شيخنا الضياء''، أو كما قال.
وقال الحافظ شرف الدين يوسف بن بدر: ''رحم الله شيخنا ابن عبد الواحد، كان عظيم الشأن في الحفظ و معرفة الرجال، هو كان المشار إليه في علم صحيح الحديث و سقيمه، ما رأت عيني مثله''
«شجرة المعارف و الأحوال و صالح الأقوال و الأعمال»
لسلطان العلماء و بائع الأمراء العز بن عبد السلام(577-660هـ/1181-1261م)
×
"شجرة المعارف و الأحوال و صالح الأقوال و الأعمال" كتاب نافع جامع، جمع فيه المصنف دررا و فوائد، أفرد بعضها بالذكر و الاختصار في كتب صنفها قبله مثل "قواعد الأحكام و المقاصد" ....الخ، مما جعل هذا الكتاب شرحا و إجمالا و تتمة لما ذكره و صنفه في كتب له متقدمة عليه. و يليه كتاب "الشجرة في الوعظ" الذي هدفه الأسمى تآسي المؤمن في كل عصر برسول الله و صحابته.
و قد بناه مؤلِّفه على الاستشهاد بنصوص القرآن الكريم، و السُّنَّة النبوية الصحيحة. و قدَّم له بمقدمة على جانب كبير من الأهمية، إذ جائت في عشرين باباً و فصولاً عدة بين فيها القربات و آداب القرآن، و بيان فضائل الأعمال الظاهرة و الباطنة، و بيان رتب الوسائل و الأسباب و ثمرات المعارف و فوائدها و ما يتفاضل به العباد. و هذه الفصول موجودة في مقدمة و خاتمة كتابه "قواعد الأحكام في مصالح الأنامم".
تكلم في الباب الأول في التخلق بصفات الرحمن على حسب الإمكان، و في الباب الثاني عن كل صفة من صفات الرب مع ذكر دليلها و ثمرة معرفتها و كيفية التخلق بها. و في الباب الرابع تكلم عما يتعلق بالقلوب و الجوارح من الأحكام من المأمورات و المنهيات و المعفوات و المباحات. و أما الباب الخامس ففي المأمورات الباطنية، و فيه ستة و خمسون و مائة فصل، تتعلق بكل ما أمر الله به من الأعمال الباطنة كالتوكل على الله و التعزز بالله، و التذلل لأولياء الله، و ذكر الدليل على كل خُلق من هذه الأخلاق من القرآن والسنة. و في الباب السادس، تكلم عن المنهبات الباطنية كالجهل بما يجب تعلمه، و انشراح الصدر بالباطل، و في محبة الكفار و الأنداد، و ما شابه ذلك، وتكلم فيه في ثلاثة و مائة فصل. و أما الباب الثامن عشر في تعرف المصالح و المفاسد و ما يقدم فيها عند التعارض، و هذا تكرار لما هو موجود في أول كتاب "قواعد الأحكام". و في الباب التاسع عشر تكلم عن حسن العمل بالظنون الشرعية و هو تكرار لما هو موجود في قواعده أيضاً. و ختم الكتاب بالباب العشرين في الورع في العبادات و المعاملات.
و ختم مقدمته بقوله: "و لهذه الشجرة -يعني شجرة المعارف- ثلاثة فروع، لكل فرع منها شعب و أغصان. فالفرع الأول: معرفة الصفات السالبة لكل عيب و نقصان. و الفرع الثاني: معرفة صفات الذات. و الفرع الثالث: معرفة الصفات الفعلية و شعبها باعتبار أنواع الأفعال كثيرة، كالضرّ و النفع، و الغفر، و السِّر، و الإنعام، و الإفضال، و الإعزاز، و الإذلال. و تثمر معرفة كل شعبة من هذه الشعب لما يناسبها من الأحوال، و لما يلائمها من الأقوال و الأعمال".
ثم يختم مقدمته بقوله: "و في مقاصد هذا الكتاب أبواب"، و قد وصل بها إلى عشرين باباً، و قسم كل باب إلى فصول كثيرة حشد فيها الكم الغفير من الآيات و الأحاديث، و بين فيها رأيه فيما يتصل بموضوع الفصل الذي يتكلم عنه، ليصل بالقارئ إلى القناعة اليقينية فيما يتصل بكل فصل على حدة، و بموضوع كتابه كاملاً بشكل عام.(577-660هـ/1181-1261م)
×
هو عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن، شيخ الإسلام و بقية الأعلام، الشيخ عز الدين أبو محمد الدمشقيُّ الشافعيُّ. وُلِد بدمشق سنة 577هـ/1181م، و نشأ فيها ضمن أسرة فقيرة. اجتهد في طلب العلم فتميّز و برع حتى لقبّه تلميذه الأول ابنُ دقيق العيد بـ "سلطان العلماء". حضر أبا الحسين أحمد بن الموازيني، و الخشوعي، و سمع عبد اللطيف بن إسماعيل الصوفي، و القاسم بن عساكر، و ابن طبرزد، و حنبل المكبر، و ابن الحرستاني، و غيرهم. وخرَّج له الدمياطي أربعين حديثًا عوالي. و تفقه على الإمام فخر الدين ابن عساكر. و مما يشهد بسعة علم الشيخ ما تركه للأمة من مؤلفات كثيرة عظيمة القيمة، عميقة الدقة في مادتها، و التي ما زال الكثير منها مخطوطًا. و تتلمذ على الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، و الدمياطي، و أبو الحسين اليونيني، وغيرهم.
و مما تميّز به الشيخ أيضًا و بلغ فيه مبلغًا عظيمًا حتى اشتهر به، هيبته و جرأته في الحق، فلا يُذكر العز بن عبد السلام إلا و تُذكر الهيبة التي يهبها الله للعاملين المخلصين من عباده. لا يُذكر العز إلا و تُذكر معه الجرأة على كل مخالف لشرع الله، مهما علا مكانه، و ارتفعت بين الناس مكانته. و نجد هذا الأمر ملازمًا له لا ينفك عنه بحالٍ من الأحوال، و له مواقف خالدة كثيرة في ذلك، منها:
حينما تولى الصالح إسماعيل الأيوبي أمر دمشق – و هو أخو الصالح أيوب الذي كان حاكمًا لمصر - فتحالف مع الصليبيين لحرب أخيه نجم الدين أيوب في مصر. و كان من شروط تحالفه مع الصليبيين أن يُعطي لهم مدينتي صيدا و الشقيف، و أن يسمح لهم بشراء السلاح من دمشق، و أن يخرج معهم في جيش واحد لغزو مصر. ثار العالم الجليل العز بن عبد السلام، و وقف يخطب على المنابر ينكر ذلك بشدة على الصالح إسماعيل، و يعلن أن الصالح إسماعيل لا يملك المدن الإسلامية ملكًا شخصيًّا حتى يتنازل عنها للصليبيين، كما أنه لا يجوز بيع السلاح للصليبيين، و خاصةً أن المسلمين على يقين أن الصليبيين ما يشترون السلاح إلا لضرب إخوانهم المسلمين. فما كان من الصالح إسماعيل إلا أن عزله عن منصبه في القضاء، و منعه من الخطابة، ثم أمر باعتقاله و حبسه.
و من مواقفه الشهيرة أيضًا و التي اصطدم فيها مع الصالح أيوب نفسه، أنه لما عاش في مصر اكتشف أن الولايات العامة و الإمارة و المناصب الكبرى كلها للمماليك الذين اشتراهم نجم الدين أيوب قبل ذلك، فهم في حكم الرقيق و العبيد، و لا يجوز لهم الولاية على الأحرار. فأصدر مباشرة فتواه بعدم جواز ولايتهم لأنهم من العبيد. و اشتعلت مصر بغضب الأمراء، و كان نائب السلطان من المماليك. و جاءوا إلى الشيخ العز بن عبد السلام، و حاولوا إقناعه بالتخلي عن هذه الفتوى، ثم حاولوا تهديده، لكنه رفض، مع أنه كان جاء مصر بعد اضطهادٍ شديد في دمشق، و أصرَّ على كلمة الحق. فرُفع الأمر إلى الصالح أيوب، فاستغرب من كلام الشيخ و رفضه. فوجد الشيخ العز بن عبد السلام أن كلامه لا يُسمع، فخلع نفسه من منصبه في القضاء. و ركب الشيخ العز بن عبد السلام حماره ليرحل من مصر، و خرج خلف الشيخ العالم الآلافُ من علماء مصر و من صالحيها و تجارها و رجالها، بل خرج النساء و الصبيان خلف الشيخ تأييدًا له، و إنكارًا على مخالفيه. و وصلت الأخبار إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب، فأسرع بنفسه خلف الشيخ العز بن عبد السلام و استرضاه. فقال له العزُّ: "إن أردت أن يتولى هؤلاء الأمراء مناصبهم فلا بد أن يباعوا أولاً، ثم يعتقهم الذي يشتريهم، و لما كان ثمن هؤلاء الأمراء قد دفع قبل ذلك من بيت مال المسلمين، فلا بد أن يرد الثمن إلى بيت مال المسلمين". و وافق الملك الصالح أيوب. و من يومها و الشيخ العز بن عبد السلام يُعرف بـ "بائع الأمراء".
و قد وُصف الشيخ رحمه الله أيضًا بالزهد و الورع الشديدين، كما وُصف بالبذل و السخاء و الكرم و العطاء، و العطف على المحتاجين.
مؤلفات العز بن عبد السلام
للعز بن عبد السلام رحمه الله مؤلفات كثيرة، فله كتاب "الإلمام في أدلة الأحكام"، و "ترغيب أهل الإسلام في سكنى الشام"، و له كتاب في التفسير، و كتاب "شجرة المعارف"، و له كتاب في العقيدة سمّاه "عقائد الشيخ عز الدين" و شرحه الإمام ولي الدين محمد بن أحمد الديباجي، و له كتاب "الفتاوى الموصليةة"، و له كتاب "القواعد الكبرى في فروع الشافعية" قال عنه صاحب "كشف الظنون: "وليس لأحدٍ مثله"، و كتاب "كشف الأسرار عن حكم الطيور و الأزهار"، و له كتاب "الغاية في اختصار النهاية".
و قد شملت مؤلفات الشيخ التفسير و علوم القرآن، و الحديث و السيرة النبوية، و علم التوحيد، و الفقه و أصوله، و الفتوى. يدعو إلى إعمال العقل في استنباط الأحكام، و في التعرف على المصالح. و يرى أن الأحكام إن لم يمكن استنباطها من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس، فيجب استنباطها بما يحقق مصلحة و يدرأ مفسدة.
ثناء العلماء على العز بن عبد السلام
قال عنه الذهبي: "بلغ رتبة الاجتهاد، و انتهت إليه رئاسة المذهب، مع الزهد و الورع، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و الصلابة في الدين، و قصده الطلبة من الآفاق، و تخرّج به أئمة".
و قال عنه ابن دقيق العيد: "كان ابن عبد السلام أحد سلاطين العلماء". و قال عنه ابن الحاجب: "ابن عبد السلام أفقه من الغزالي". و قال عنه ابن السبكي: "شيخ الإسلام و المسلمين، و أحد الأئمة الأعلام، سلطان العلماء، إمام عصره بلا مدافعة، القائم بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في زمانه، المطلع على حقائق الشريعة و غوامضها، العارف بمقاصدها".
وفاة العز بن عبد السلام
تُوفِّي العز بن عبد السلام رحمه الله سنةَ 660هـ/ 1261م، عن ثلاثٍ وثمانين سنة«الحكم العطائية»
الشيخ التاج بن عطاء الله السكندري (658-709هـ/1260-1309م)×
"الحكم العطائية" هي مجموعة من الحكم عددها 264 حكمة، كتبها ابن عطاء الله السكندري، و هو أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الرحمن بن عيسي بن عطاء الله السكندري، أحد أركَان الطريقة الشاذلية الصوفية التي أسسها الشيخ أبو الحسن الشاذلي.
شروحات الحكم العطائية
شرح الحكم العطائية عدد من العلماء، منهم: الشيخ ابن عجيبة في كتابه "إيقاظ الهمم في شرح الحكم"، الشيخ الخطيب الشربيني في كتابه "سواطع الحكم"، الشيخ أحمد زروق في كتابه "قرة العين في شرح حكم العارف بالله ابن عطاء الله السكندري"، ابن عباد النفزي في كتابه "غيث المواهب العلية في شرح الحكم العطائية"، عبد المجيد الشرنوبي، الشيخ سعيد حوى في كتابه "مذكرات في منازل الصدّيقين و الربّانيين"، الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه "الحكم العطائية، شرح و تحليل" و يقع في خمسة مجلدات، الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية، الشيخ ماء العينين، د. محمد صحري في كتابه "مراحل السلوك الصوفي من خلال الحكم العطائية"، مصطفى البحياوي شرحه شرحا ماتعا طويلا في اليوتيوب.
متن الحكم العطائية: من هذه الحكم:
- "إن رغبتك البدايات زهدتك النهايات، و إن دعاك إليها ظاهر نهاك عنها باطن، إنما جعلها محلا للأغيار و معدنا لوجود الأكدار تزهيدا لك فيها"
- "علم أنك لا تقبل النصح المجرد فذوقك من ذواقها ما يسهل عليك وجود فراقها"
- "العلم النافع هو الذي ينبسط في الصدر شعاعه و ينكشف عن القلب قناعه"
- "خير علم ما كانت الخشية معه، فالعلم إن قارنته الخشية فلك و إلا فعليك"
- "متى آلمك عدم إقبال الناس عليك أو توجههم بالذم إليك، فارجع إلى علم الله فيك، فإن كان لا يقنعك علمه فمصيبتك بعدم قناعتك بعلمه أشد من مصيبتك من الأذى منهم، إنما أجرى الأذى على أيديهم كي لا تكون ساكنا إليهم، أن أراد أن يزعجك عن كل شيء حتى لا يشغلك عنه شيء"
- "إذا علمت أن الشيطان لا يغفل عنك فلا تغفل أنت عمن ناصيتك بيده، جعله لك عدوا ليحوشك به إليه، و حرك عليك النفس لتديم إقبالك عليه"
- "من أثبت لنفسه تواضعا فهو المتكبر حقا، إذ ليس التواضع إلا عن رفعة، فمتى أثبتت لنفسك تواضعا فأنت المتكبر، إذ ليس المتواضع الذي إذا تواضع رأى أنه فوق ما صنع و لكن المتواضع هو الذي إذا تواضع رأى أنه دون ما صنع";
- "التواضع الحقيقي هو الناشئ عن شهود عظمته، وتجلي صفته"
- "لا يخرجك عن الوصف إلا شهود الوصف، المؤمن يشغله الشاغل لله عن أن يكون لنفسه شاكرا، و تشغله حقوق الله عن أن يكون لحظوظه ذاكرا"
- "ليس المحب الذي يرجو من محبوبه عوضا، أو يطلب منه غرضا، فإن المحب من يبذل لك، ليس المحب من تبذل له"
- "لولا ميادين النفوس ما تحقق سير السائرين"
- "لا مسافة بينك و بينه حتى تطويها رحلتك، و لا قطيعة بينك و بينه حتى تمحوها وصلتك"
- "جعلك في العالم المتوسط بين ملكه و ملكوته ليعلمك جلالة قدرك بين مخلوقاته، و أنك جوهرة تنكوي عليك أصداف مكوناته، وسعك الكون من حيث جثمانيتك، و لم يسعك من حيث ثبوت روحانيتك"
- "الكائن في الكون، و لم يفتح له ميادين الغيوب مسجون بمحيطاته، و محصور في هيكل ذاته"
- "أنت مع الأكوان ما لم تشهد المكون، فإذا شهدته كانت الأكوان معك"
- "لا يلزم من ثبوت الخصوصية عدم وصف البشرية، إنما مثل الخصوصية كإشراق شمس النهار، ظهرت في الأفق و ليست منه، تارة تشرق شموس أوصافه على ليل وجودك، و تارة يقبض ذلك عنك فيردك إلى حدودك، فالنهار ليس منك إليه، و لكنه وارد عليك"
- "دل بوجود آثاره على وجود أسمائه، وبوجود أسمائه على ثبوت أوصافه، و بوجود أوصافه على وجود ذاته، إذ محال أن يقوم الوصف بنفسه، فأرباب الجذب يكشف لهم عن كمال ذاته ثم يردهم إلى شهود صفاته، ثم يرجعهم إلى التعلق بأسمائه ثم يردهم إلى شهود آثاره، و السالكون على عكس هذا، فنهاية السالكين بداية المجذوبين، و بداية المجذوبين نهاية السالكين، فإن مراد السالكين شهود الأشياء لله، و مراد المجذوبين شهادة الأشياء بالله، و السالكون عاملون على تحقيق الفناء و المحو، و المجذوبون مسلوك بهم طريق البقاء و الصحو، لكن لا بمعنى واحد، فربما التقيا في الطريق هذا في ترقية و هذا في تدلية"
- "لا يعلم قدر أنوار القلوب و الأسرار إلا في غيب الملكوت، كما لا تظهر أنوار السماء إلا في شهادة الملكوت، وجد أن ثمرات الطاعات عاجلا بشائر العاملين بوجود الجزاء عليه آجلا";
- "كيف تطلب العوض عن عمل هو متصدق به عليك، أم كيف تطلب الجزاء عن صدق هو مهديه إليك"
- "قوم تسبق أنوارهم أذكارهم، و قوم تسبق أذكارهم أنوارهم، و قوم تتساوى أذكارهم و أنوارهم، و قوم لا أذكار و لا أنوار نعوذ بالله من ذلك"
- "ذاكر ذكر ليستنير قلبه، فكان ذاكرا، و ذاكر استنار قلبه فكان ذاكرا، و الذي استوت أنواره و أذكاره فبذكره يهتدى و بنوره يقتدى، ما كان ظاهر ذكر إلا عن باطن شهود و فكر، أشهدك من قبل أن استشهدك فنطقت بألوهيته الظواهر و تحققت بأحديته القلوب و السرائر"
- "أكرمك ثلاث كرامات، جعلك ذاكرا له، و لولا فضله لم تكن أهلا لجريان ذكره عليك، و جعلك مذكورا به إذ حقق نسبته لديك، و جعلك مذكورا عنده ليتم نعمته عليك"
- "رب عمر اتسعت آماده و قلت أمداده، و رب عمر قليلة آماده كثيرة إمداده، فمن بورك له في عمره أدرك في يسير من الزمن من منن الله ما لا يدخل تحت دوائر العبارة و لا تلحقه الإشارة"
- "الخذلان كل الخذلان، أن تتفرغ من الشواغل ثم لا تتوجه إليه، و تقل عوائقك ثم لا ترحل إليه"
- "الفكرة سير القلوب في ميادين الأغيار، و الفكرة سراج القلب، فإذا ذهبت فلا إضاءة له"
- "الفكرة فكرتان، فكرة تصديق و إيمان، و فكرة شهود و عيان، فالأولى لأرباب الاعتبار، و الثانية لأرباب الشهود و الاستبصار"
«الشيخ التاج بن عطاء الله السكندري»
(658-709هـ/1260-1309م)
×
هو تاج الدين أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن عيسى بن الحسين بن عطاء الله الجذامي نسباً. ابن عطاء الله السكندري فقيه مالكي و صوفي شاذلي الطريقة، بل أحد أركان الطريقة الشاذلية الصوفية، الملقب بـ "قطب العارفينن" و "ترجمان الواصلين" و "مرشد السالكين". كان رجلاً صالحاً عالماً يتكلم على كرسي و يحضر ميعاده خلق كثير، و كان لوعظه تأثير في القلوب. و كان له معرفة تامة بكلام أهل الحقائق و أرباب الطريق، و له ذوق و معرفة بكلام الصوفية و آثار السلف. و كان ينتفع الناس بإشاراته، و له موقع في النفس وجلالة.
وفد أجداده المنسوبون إلى قبيلة جذام إلى مصر بعد الفتح الإسلامي و استوطنوا الإسكندرية حيث ولد ابن عطاء الله حوالي سنة 658هـ الموافق 1260م، و نشأ، كجده لوالده الشيخ أبي محمد عبد الكريم بن عطاء الله، فَقيهاً يَشتغل بالعلوم الشَرعية حيث تلقى منذ صباه العلوم الدينية و الشرعية و اللغوية.
كان الشيخ ابن عطاء الله في أول حاله منكراً على أهل التصوف حتى أنه كان يقول: "من قال أن هنالك علماً غير الذي بأيدينا فقد افترى على الله عز وجل". فما أن صحب شيخه أبو العباس المرسي و استمع إليه بالإسكندرية حتى أعجب به إعجاباً شديداً و أخذ عنه طريق الصوفية و أصبح من أوائل مريديه. و صار يقول عن كلامه القديم: "كنت أضحك على نفسي في هذا الكلام".
ثم تدرج ابن عطاء الله في منازل العلم و المعرفة حتى تنبأ له الشيخ أبو العبَاس يوماً فقال له: "الزم، فوالله لئن لزمت لتكونن مفتياً في المذهبين" يقصد مذهب أهل الشريعة و مذهب أهل الحقيقة. ثم قال: "و الله لا يموت هذا الشاب حتى يكون داعياً إلى الله و موصلاً إلى الله، و الله ليكونن لك شأن عظيم، و الله ليكونن لك شأن عظيم، و الله ليكونن لك كذا و كذا". فكان كما أخبر.
أخذ عن ابن عطاء الله الكثير من التلامذة، منهم: ابن المبلق السكندري، و تقي الدين السبكي شيخ الشافعية.
ترك ابن عطاء الله الكثير من المصنفات و الكتب منها المفقود و منها الموجود، لكن أبرز ما بقي له: "لطائف المنن في مناقب الشيخ أبي العباس وشيخه أبي الحسن"، "القصد المجرد في معرفة الإسم المفرد"، "التنوير في إسقاط التدبير"، "أصول مقدمات الوصول"، "الطريق الجادة في نيل السعادة"، "عنوان التوفيق في آداب الطريق" شرح بها قصيدة الشيخ أبو مدين (ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا)، "تاج العروس الحاوي لتهذيب النفوس"، "مفتاح الفلاح و مصباح الأرواح في ذكر الله الكريم الفتاح"، "الحكم العطائية على لسان أهل الطريقة" و هي أهم ما كتبه و قد حظيت بقبول و انتشارً كبيرً و لا يزال بعضها يُدرس في بعض كُليات جامعة الأزهر، كما تَرجم المستشرق الانجليزى آرثر اربري الكثير منها إلى الإنجليزية، و ترجم الأسباني ميجيل بلاسيوس فقرات كثيرة منها مع شرح الرندي عليها.
توفي الشيخ ابن عطاء الله كهلا بالمدرسة المنصورية في القاهرة سنة 709هـ، و دفن بمقبرة المقطم بسفح الجبل بزاويته التي كان يتعبد فيها. و لا يزال قَبره مَوجوداً إلى الآن بجبانة سيدي علي أبو الوفاء تحت جبل المُقطمِ من الجهةِ الْشرقية لجبَانة الإمام الليث. و قد أقيم على قبره مسجد في عام 1973م..
قال العلماء عنه:
قال أحمد زروق: "كان جامعاً لأنواع العلوم من تفسير و حديث و فقه و نحو و أصول و غير ذلك، كان متكلماً على طريق أهل التصوف واعظا انتفع به خلق كثير و سلكوا طريقه"
قال ابن حجر العسقلاني في "الدرر الكامنة": "صحب الشيخ أبا العباس المرسي، صاحب الشاذلي، و صنف مناقبه و مناقب شيخه، و كان المتكلم على لسان الصوفية في زمانه"
قال الذهبي: "كانت له جلالة عظيمة، و وقع في النفوس، و مشاركة في الفضائل، و كان يتكلم - بالجامع الأزهر فوق كرسي - بكلام يروّح النفوس".
قال ابن الأهدل: "الشيخ العارف بالله، شيخ الطريقين و إمام الفريقين، كان فقيهاً عالماً ينكر على الصوفية، ثم جذبته العناية فصحب شيخ الشيوخ المرسي، و فُتح عليه على يديه، و له عدة تصانيف منها "الحكم" و كلها مشتملة على أسرار و معارف، و حكم و لطائف، نثراً و نظماً. و من طالع كتبه عرف فضله.«لطائف المنن في مناقب الشيخ أبي العباس وشيخه أبي الحسن»
التاج بن عطاء الله السكندري (658-709هـ/1260-1309م)× "لطائف المنن" كتاب للإمام ابن عطاء الله السكندري في فضائل شيخه أبي العباس المرسي و شيخه أبي الحسن الشاذلي.
«اللطيفة المرضيّة في شرح دعاء الشاذلية»»
شرح لـ « حزب البحر »الشيخ داود بن ماخلا
×
"اللطيفة المرضيّة في شرح دعاء الشاذلية" لعله أول الشروح المؤلفة على "حزب البحر" للإمام أبى الحسن الشاذلي، فلا يعلم شرح سابق عليه. و هو أوسع هذه الشروح و أطولها من حيث النفس العلمي. و قد احتوى هذا الشرح الجامع على تحقيقات علمية نادرة تشهد لمؤلفه برسوخ القدم في العلم و المعرفة الصوفية.
و مؤلفه هو رابع خلفاء سيدى أبى الحسن الشاذلى إذ تلقى الطريق عن الإمام العارف ابن عطاء الله السكندري كما أنه شيخ العارف الكبير السيد محمد وفا شيخ البيت الوفائي الشهير.
«الشيخ داود بن ماخلا »
×
سيدى داود بن عمر بن إبراهيم الباخلى الشاذلى الشهير بـ داود بن ماخلا، من رجال الشاذلية بالإسكندرية سيدي الشيخ داود الكبير بن ماخلا رضي الله عنه، ثالث الخلفاء الشاذلية. أخذ عن سيدي أحمد بن عطاء الله السكندري، و هو شيخ سيدي محمد وفا الشاذلي رضي الله عنهم أجمعين.
كان رضي الله عنه شرطياً في بيت الوالي بالإسكندرية و كان يجلس تجاه الوالي و بينهما إشارة يفهم منها وقوع المتهوم أو براءته. فإن أشار إليه أنه برئ عمل بإشارته أو أنه فعل ما اتهم به عمل بذلك. و له كلامٌ عالٍ في الطريق و كان أميا لا يكتب و لا يقرأ
و قد وصفه الإمام الشعراني في ترجمته بـ "العارف الكبير" و هو جدير بهذا الوصف كما يعلم من كتابه الفريد "عيون الحقائق". و مقامه في شارع متفرع من شارع الحجاري في رأس التين بالإسكندرية.
و من كلامه رضي الله عنه في كتابه المسمى بـ "عين الحقائقق" في قوله صلى الله عليه و سلم "إنما الأعمال بالنيات، و إنما لكل امرئ ما نوى": "على قدر ارتقاء همتك في نيتك يكون ارتقاء درجتك عند عالم سريرتك".
و كان رضي الله عنه يقول: "إنما كانت العلل و الأسباب لوجود البعد و الحجاب، و من استنار قلبه علم أن الخضوع لرب الأرباب حتمٌ لازمٌ للعبد من غير العلل".
و كان رضي الله عنه يقول: "للولى نوران، نورُ عطفٍ و رحمة يجذب به أهلِ العناية، و نورُ فيضٍ و عزة و قهر يدفع به أهل البعد و الغواية، لأنه يتصفح بين دائرتي فضلٍ و عدل، فإذا أقيم بالفضل ظهر فجذب فنفع، و إذا أقيم بالعدل و العز حجب فخفي و دفع، و لذلك أقبل بعضٌ و أدبر بعض".
و من أقواله رضي الله عنه: "كلما ازداد علم العبد زاد افتقاره و مطلبه و علت همته، لأنه في حال جهله يطلب العلم و في حال علمه يطلب جلاء العلوم. و المعلومات درجات لا غاية لمنتهاها و لا حد لعلو مرماها، فوا عجباً من لوعة كلما ارتوت زاد تأجهها و ضرامها".
و كان يقول: "من أعظم المواهب بعد الإيمان بالله تعالى و ملائكته و كتبه و رسله الإيمان بنور الولاية في خلقه سواء ظهرت في ذات العبد أو في غيره من العباد، فإنه كما هو مطلوب أن يؤمن بها في غيره كذلك مطلوب أن يؤمن بها في نفسه".
و من أقوال سيدي داود بن ماخلا رضي الله عنه: "الناس صنفان، صنف اشتغل بالدنيا و إقامة دولتها و شعائر دينها فهو في كفالة علماء المسلمين، و صنف سعت هممهم بعد أن حصلوا ما حصل الأولون إلى فهم الأسرار و طلبوا من يسير بها في منازل التحقيق فهم في كفالة العارفين".
و كان يقول: "لا يكن أكبر همك من العبادة إلا القرب من المعبود دون الأجر و الثواب، فإنه إذا مَنَّ عليك بالدخول إلى حضرته فهنالك الأجور و أعلى منها، ثم ينعم عليك حتى تكون أنت منعماً على ذلك". و هذا المعنى الذي ختم به سيدي داود كلمته هذه هو معنى المدد، و هو أن يفيض الله من نعمه و أسراره و خصوصياته على مخصوص حتى يصير هذا المنعم عليه محلاً لإفاضة النعم. انظر إلى قوله تعالى: (هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب﴾.
و يقول أيضاً موضحاً لتنزلات المدد: "قلوب المؤمنين تحت قلوب الأولياء، و قلوب الأولياء تحت ظل قلوب الأنبياء عليهم الصلاة و السلام، و قلوب الأنبياء تحت ظل أنوار العناية، و الأمداد تتنزل فيما بين ذلك، و يتلوها الشاهد منه".
و كان يقول رضي الله عنه: "لسان العارف قلم يكتب به في ألواح قلوب المريدين، فربما كتب في لوح قلبك ما لم تعلم معناه، و بيانه عند ظهور آياته".
و كان يقول: "العارف أثره في الآخذين عنه بإمداده و أنواره أكثر من آثارهم فيهم بأذكارهم و أعمالهم".
و كان يقول: "إقبال القلب على الله حسنة يُرجى أن لا يضر معها ذنب، و إعراض القلب عن الله سيئة لا يكاد ينفع معها حسنة".
و يقول: "من أعجب العجب محب وقف بباب غير باب الحبيب".
و كان يقول: "إن أردت سلوك المحجة البيضاء و الوصول إلى ذروة أهل التقى و الاقتداء بأهل الرتبة الأولى، فإياك أن تجعل دينك و إيمانك من نتائج العقول و الأفكار، أو مستنداً إلى أدلة النظر، بل عرج إلى المحل الأعلى و المنزل الأعز الأحمى و استمد البركات و الأنوار من رسول الله صلى الله عليه و سلم. و أسأل الله تعالى أن يمن عليك بمدد من عنده يغنيك به عن كل شئ سواه، و يهديك بنوره إليه حتى لا تشهد في ذلك إلا إياه. و قل: رب إني أعوذ بك أن يكون إيماني بك و بما أنزلت و بمن أرسلت، مستفاداً من فكرة مشوبة بالأوصاف النفسية أو مستنداً إلى عقل ممزوج بأمشاج الطينة البشرية، بل من نورك المبين و مددك الأعلى و نور نبيك المصطفى".
وكان رضي الله عنه يقول: "يرسل الوالد الشفوق ولده الطفل إلى الطبيب من حيث لا يشعر الطفل و يقال له تلطف به و لا تشقق عليه و إكرامك علينا و لا تكلفه معرفة دائه و لا معرفة مداواته، كذلك يقال للعارف داوِ مرضى عبادنا إذا أتوك بتيسيرنا و هم لا يشعرون و لا تكلفهم معرفة دائهم و لا معرفة مداواتهم فإنهم ربما شق ذلك عليهم، و عاملهم كما عاملناهم فإنك داعٍ إلينا و مطالب بحقنا، فقد دعوناهم إلى حضرتنا و جنتنا و هم بها غير عالمين و بكنه حقائقها على الحقيقة غير عارفين".
و كان يقول: "مراد العارف أن يخرج المريد من الضيق إلى السعة في عالم الغيب و إن لم يشعر المريد بذلك".
و كان يقول: "العارفون يتكلمون مع الخلق و هم بالحق مع الحق كما حكي عن أبى القاسم الجنيد رضي الله عنه أنه قال: "لي ثلاثون سنة أتكلم مع الله تعالى و الناس يظنون أنى أتكلم معهم".
««المصباح المنير في غريب الشرح الكبير»
الشّيخ أحمد بن محمد بن علي الفيومي المقرئ (تـ 770هـ/1368م)×
"المصباح المنير" تأليف أحمد بن محمد بن علي الفيومي المقري (نسبة إلى فيوم العراق لا فيوم مصر)، نزيل مدينة حماة و المتوفي سنة 770هـ/1368م.
اعتمد الكاتب في تأليفه على نحو 70 مصنفاً مثل: "تهذيب" الأزهري، "مجمل" ابن فارس، "اصلاح المنطق" لابن السكّيت، "ديوان الأدب" للفارابي، "الصِحاح" لأبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهري، "فصيح" ثعلب، "أساس البلاغة" للزمخشري.«الشّيخ أحمد بن محمد بن علي الفيومي المقرئ »
(تـ 770هـ/1368م)×
هو أحمد بن محمّد بن عليّ شهاب الدّين أبو العبّاس الخطيب، الفقيه اللّغويّ الفيُّومي المُقْرِيء الشّافعيّ المصريّ ثمّ الحمويّ الشّهير بـ "ابن ظهير".
الشّيخ الضّابط الأديب الكامل المقريء من أعلام القرن الثامن الهجري، صاحب "المصباح المنير في غريب الشّرح الكبير" في اللّغة.
نشأ بفيُّوم مصر حيث تلقّى علومه الأولى و اشتغل وبرع في العربيّة، و كان له اتّصال بأبي حيّان محمّد بن يوسف النّحوي الغرناطي (ت:745هـ)، فعنه أخذ الفيُّومي علوم اللّغة العربيّة، كما اطّلع على كثير من المعارف العربيّة. و درس القراءات و تبحّر في الفقه الشّافعي، كما كان خطيباً بارعاً.
ارتحل عن الدّيار المصريّة إلى حماة فاستوطنها، و لمّا أنشأ صاحب حماة الملك المؤيّد إسماعيل عماد الدّين الأيّوبي الملقَّب بأبي الفداء (672- 73هـ = 1273-1331م) جامع الدَّهْشَة في شعبان سنة 727هـ، ندب الفيُّومي إلى الخطابة فيه و قد كان رحمه اللّه إماما فاضلاً عارفاً بالفقه و اللّغة شافعيّ المذهب.
وُلد له ابنه محمود بن أحمد أبو الثناء الهمذاني الفيّومي، القاضي الشّهير بـ "ابن خطيب الدّهشة" بحماة سنة خمسين و سبع مئة (750هـ - 1349م). و توفي بها سنة أربع و ثلاثين و ثمان مئة (834هـ-1431م).
مؤلّفاته: "المصباح المنير في غريب الشّرح الكبير"، "ديوان خطب"، "شرح عروض ابن الحاجب"، "نثر الجُمان في...«تاج المفرق في تحليه علماء المشرق»
الشيخ خالد البلوي (المتوفى بعد 767هـ)×
تصنيف في رحلة حج، قال المقري: "كثيرة الفوائد".
«الشيخ خالد البلوي »
(المتوفى بعد 767هـ)×
أبو البقاء خالد بن عيسى بن أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد البلوي. قاض، من فضلاء الأندلسيين. كانت إقامته في قتورية، من حصون وادي المنصورة، وهو قاضيها. و حج، و صنف رحلته "تاج المفرق في تحلية علماء المشرق"، أنجزه في شهر ربيع الأول سنة 767هـ. و أقام في عودته مدة بتونس، و لي فيها الكتابة عن أميرها، ثم قفل إلى الأندلس.
«الخبر الدال على وجود القطب و الأوتاد و النجباء و الأبدال»
الإمام جلال الدين السيوطي (المتوفى عام 911هـ)×
كتاب "الخبر الدال على وجود القطب و الأوتاد و النجباء و الأبدال"، للإمام جلال الدين السيوطي، المتوفى عام 911هـ.
قال السيوطي في مقدمة الكتاب: "و بعد، فقد بلغني عن بعض من لا علم عنده إنكار ما اشتهر عن السادة الأولياء من أن منهم أبدالا و نقباء و نجباء و أوتادا و أقطابا، و قد وردت الأحاديث و الآثار بإثبات ذلك، فجمعتها في هذا الجزء لتُستفاد، و لا يُعوّل على إنكار أهل العناد، و سميته: "الخبر الدال على وجود القطب و الأوتاد و النجباء و الأبدال".
«الإمام جلال الدين السيوطي »
(المتوفى عام 911هـ)×
عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر بن محمد سابق الدين خن الخضيري الأسيوطي المشهور باسم جلال الدين السيوطي، (القاهرة 849هـ/1445م- القاهرة 911هـ/1505 م) من كبار علماء المسلمين.
اسمه عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد الخضيري الأسيوطي. ولد السيوطي مساء يوم الأحد غرة شهر رجب من سنة 849هـ، المـوافق سبتمبر من عام 1445م، في القاهرة. كان سليل أسرة اشتهرت بالعلم و التدين. رحل أبوه من أسيوط لدراسة العلم فكان من العلماء الصالحين ذوي المكانة الرفيعة التي جعلت بعض أبناء العلماء والوجهاء يتلقون العلم على يديه.
توفي والد السيوطي و لابنه من العمر ست سنوات، فنشأ يتيمًا، واتجه إلى حفظ القرآن، فأتم حفظه وهو دون الثامنة. ثم حفظ بعض الكتب في تلك السن المبكرة مثل "العمدة"، و "منهاج الفقه و الأصول"، و "ألفية ابن مالك"، فاتسعت مداركه و زادت معارفه. و كان السيوطي محل العناية و الرعاية من عدد من العلماء من رفاق أبيه، و تولى بعضهم أمر الوصاية عليه، و منهم الكمال بن الهمام الحنفي أحد كبار فقهاء عصره، و تأثر به السيوطي تأثرًا كبيرًا خاصة في ابتعاده عن السلاطين و أرباب الدولة.
و جلس السيوطي للإفتاء عام 871 هـ/1466م، وأملى الحديث في العام التالي، وكان واسع العلم غزير المعرفة، يقول عن نفسه: "رُزقت التبحر في سبعة علوم: التفسير والحديث والفقه والنحو والمعاني والبيان والبديع"، بالإضافة إلى أصول الفقه والجدل، والقراءات التي تعلمها بنفسه، والطب، غير أنه لم يقترب من علمي الحساب والمنطق. ويقول: "وقد كملت عندي الآن آلات الاجتهاد بحمد الله، أقول ذلك تحدثًا بنعمة الله لا فخرًا، وأي شيء في الدنيا حتى يطلب تحصيلها في الفخر؟!". وكان الطلاب يقبلون على الحلقات العلمية التي يعقدها السيوطي، حيث عُيّن في أول الأمر مدرسًا للفقه بـ "الشيخونية"، و هي المدرسة التي كان يلقي فيها أبوه دروسه من قبل، ثم جلس لإملاء الحديث و الإفتاء بجامع ابن طولون، ثم تولى مشيخة الخانقاه البيبرسية التي كانت تمتلئ برجال الصوفية. ثم تجرد للعبادة و التأليف عندما بلغ سن الأربعين. و كان يقول: "إني ترجيت من نعم الله و فضله أن أكون المبعوث على هذه المائة، لانفرادي عليها بالتبحر في أنواع العلوم".
زادت مؤلفات السيوطي على الثلاثمائة كتاب و رسالة. عدّ له بروكلمان 415 مؤلفا، و أحصى له حاجي خليفة في كتابه "كشف الظنون" حوالي 576 مؤلفا، و وصل بها البعض كابن إياس إلى 600 مؤلف.
من مؤلفاته في علوم القرآن و التفسير: "الإتقان في علوم التفسير"، و "متشابه القرآن"، و " الإكليل في استنباط التنزيل"، و "مفاتح الغيب في التفسير"، و "طبقات المفسرين"، و "الألفية في القراءات العشر".
أما الحديث و علومه، فكان السيوطي يحفظ مائتي ألف حديث كما روى عن نفسه، و كان مغرما بجمع الحديث و استقصائه. لذلك ألف عشرات الكتب في هذا المجال منها: "إسعاف المبطأ في رجال الموطأ"، و " تنوير الحوالك في شرح مو طأ الإمام مالك"، و "جمع الجوامع"، و " الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة"، و "المنتقى من شعب الإيمان للبيهقي"، و "أسماء المدلسين"، و "آداب الفتيا"، و "طبقات الحفاظ".
و في الفقه ألف "الأشباه و النظائر في فقه الإمام الشافعي"، و "الحاوي في الفتاوي"، و "الجامع في الفرائض"، و "تشنيف الأسماع بمسائل الإجماع".
و في اللغة و علومها كان له فيها أكثر من مائة كتاب و رسالة منها: "المزهر في اللغة"، و "الأشباه و النظائر في اللغة"، و "الاقتراح في النحو"، و "التوشيح على التوضيح"، و "المهذب فيما ورد في القرآن من المعرب"، و "البهجة المرضية في شرح ألفية ابن مالك".
و في ميدان البديع كان له: "عقود الجمان في علم المعاني و البيان"، و "الجمع و التفريق في شرح النظم البديع"، و "فتح الجليل للعبد الذليل".
و في التاريخ و الطبقات ألف أكثر من 55 كتابًا و رسالة يأتي في مقدمتها: "حسن المحاضرة في أخبار مصر و القاهرة"، و "تاريخ الخلفاء"، و "الشماريخ في علم التاريخ"، و "تاريخ الملك الأشرف قايتباي"، و "عين الإصابة في معرفة الصحابة"، و "بغية الوعاة في طبقات النحاة"، و "نظم العقيان في أعيان الأعيان"، و "در السحابة فيمن دخل مصر من الصحابة"، و "طبقات الأصوليين".
و من مؤلفاته الأخرى الطريفة: "منهل اللطايف في الكنافة و القطايف"، و "الرحمة في الطب و الحكمة"، و "الفارق بين المؤلف و السارق"، و "الفتاش على القشاش"، و "الرد على من أخلد إلى الأرض و جهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض".
و عاصر السيوطي 13 سلطانًا مملوكيًا، فإذا لم يقع سلوكه منهم موقع الرضا قاطعهم وتجاهلهم. فقد ذهب يومًا للقاء السلطان الأشرف قايتباي وعلى رأسه الطيلسان [عمامة طويلة] فعاتبه البعض، فأنشأ رسالة في تبرير سلوكه أطلق عليها "الأحاديث الحسان في فضل الطيلسان". وفي سلطنة طومان باي الأول حاول هذا السلطان الفتك بالسيوطي، لكن هجر السيوطي بيته في جزيرة الروضة واختفى فترة حتى عُزل هذا السلطان. و كان بعض الأمراء يأتون لزيارته، و يقدمون له الأموال و الهدايا النفيسة، فيردها و لا يقبل من أحد شيئا. و رفض مرات عديدة دعوة السلطان لمقابلته، و ألف في ذلك كتابًا أسماه "ما وراء الأساطين في عدم التردد على السلاطين"."
شيوخه
عاش السيوطي في عصر كثر فيه العلماء الأعلام، فابتدأ في طلب العلم سنة 864 هـ، 1459م، ودرس الفقه والنحو والفرائض، ولم يمض عامان حتى أجيز بتدريس اللغة العربية. وألف في تلك السنة أول كتبه "شرح الاستعاذة والبسملة" و هو في سن السابعة عشرة، فأثنى عليه شيخه "علم الدين البلقيني". و كان منهج السيوطي في الجلوس إلى المشايخ هو أنه يختار شيخًا واحدًا يجلس إليه، فإذا ما توفي انتقل إلى غيره. ومن شيوخه "شرف الدين المناوي" وأخذ عنه القرآن والفقه، و"تقي الدين الشبلي" وأخذ عنه الحديث أربع سنين، فلما مات انتقل إلى عمدة شيوخه "محيي الدين الكافيجي" الذي لازمه الـسيوطي أربعة عشر عامًا كاملة و أخذ منه أغلب علمه في التفسير والأصول والعربية والمعاني،، وأطلق عليه لقب "أستاذ الوجود". وأخذ العلم ـ أيضًا ـ عن شيخ الحنفية "الأفصرائي" و"العز الحنبلي"، و"المرزباني" "وجلال الدين المحلي" و"تقي الدين الشمني" و غيرهم كثير، حيث أخذ علم الحديث فقط عن 150 شيخًا من النابهين في هذا العلم. و لم يقتصر السيوطي على الشيوخ من العلماء الرجال، بل كان له شيوخ من النساء اللاتي بلغن الغاية في العلم، منهن "آسية بنت جار الله بن صالح"، و "كمالية بنت محمد الهاشمية" و "أم هانئ بنت أبي الحسن الهرويني"، و "أم الفضل بنت محمد المقدسي" و غيرهن كثير.
رحلاته
سافر السيوطي في رحلات ليلتقي بكبار العلماء، فزارعدد من الأقاليم في مصر كالفيوم ودمياط والمحلة وغيرها، وسافر إلى بلاد الشام واليمن والهند والمغرب وتشاد ورحل إلى الحجاز وجاور بها سنة كاملة، وشرب من ماء زمزم، ليصل في الفقه إلى رتبة سراج الدين البلقيني، و دَّرس الحديث بالمدرسة الشيخونية حتى بلغ رتبة الحافظ ابن حجر العسقلاني.
تلاميذه
و تلاميذ السيوطي من الكثرة و النجابة بمكان، و أبرزهم شمس الدين الداودي صاحب كتاب "طبقات المفسرين"، و شمس الدين بن طولون، و شمس الدين الشامي محدث الديار المصرية، و المؤرخ الكبير ابن إياس صاحب كتاب "بدائع الزهور".
«تنبيه المغترين أوائل القرن العاشر على ما خالفوا فيه سلفهم الطاهر»
الإمام عبد الوهاب بن أحمد الشعراني (898-973هـ)×
"تنبيه المغترين" كتاب في أخلاق أهل الصلاح من الصوفية و ما كانوا عليه من معاملاتهم مع الله. و ذكر مؤلفه أنه حوى الترجيحات و المحررات التي يفتي بها علماء الصوفية. و ذكر أنه لم يثبت فيه إلا ما تخلق هو به حتى لا يكون آمرا إلا بما أتى به. فالكتاب تفصيل لأخلاق الكتاب و السنة، من صبر، و خوف الله، و اعتبار، و مناعة، و صدقة، و أمر بالمعروف و نهي عن المنكر، و زهد ... ناقلا أقوال السلف و الصالحين و قصصهم.
تخلق الشعراني بخلق التصوف و تأدب بأدبه و أخذ نفسه بكل ما كتب و سطر في كتبه، فكان خلقه صورة رسالته، و كان بحسه و بوجدانه صورة للمثاليات، و عنواناً كريماً للإنسانية في كل أفق من آفاقها. لقد كان من الناحية العلمية و النظرية صوفياً من الطراز الأول، و كان في الوقت نفسه كاتباً بارزاً أصيلاً في ميدان الفقه و أصوله، و كان مصلحاً يكاد الإسلام لا يعرف له نظيراً. و قد جمع في كتابه الذي نقلب صفحاته جملة صالحة مما كان عليه السلف الصالح من صفات معاملتهم مع الله تعالى و مع خلقه، و جعله ليفتي علماء الصوفية بما في هذا الكتاب من نقول محررات جيدات. فقد ذخر محتواه بأفعال السلف الصالح من الصحابة و التابعين، و العلماء و العاملين، و بما منّ الله على الشعراني بالتخلق به أوائل دخوله في دخول محبة القوم. و قد صرح بهذا في مواضع الاستشهاد و ذلك تنبيهاً على تخلقه بها، و أنه ما دعاهم إليها إلا بعد تخلقه هو بها، ليكون لهم بذلك مثلاً.
«الإمام عبد الوهاب بن أحمد الشعراني »
(898-973هـ)×
أبو المواهب عبد الوهّاب بن أحمد بن علي الحَنَفي الأنصاري المشهور بـالشعراني، نسبه إلى محمد ابن الحنفية، العالم الزاهد، الفقيه المحدث، المصري الشافعي الشاذلي الصوفي، من علماء المتصوفين.. يسمونه الصوفية بـ "القطب الرباني".
عرف الشعراني بنفسه في كتابه "لطائف المنن"، فقال: "فإني بحمد الله تعالى عبد الوهّاب بن أحمد بن علي بن أحمد بن علي بن محمد بن زوفا، ابن الشيخ موسى المكنى في بلاد البهنسا بأبي العمران، جدي السادس ابن السلطان أحمد ابن السلطان سعيد ابن السلطان فاشين ابن السلطان محيا ابن السلطان زوفا ابن السلطان ريان ابن السلطان محمد بن موسى بن السيد محمـد بن الحنفية ابن الإمام علي بن أبي طالب".
ولد الشعراني في قلقشندة في مصر يوم 27 رمضان سنة 898 هـ، ثم انتقل إلى ساقية أبي شعرة من قرى المنوفية، و إليها نسبته، فيقال: الشعراني، و الشعراوي. نشأ يتيم الأبوين، إذ مات أبوه وهو طفل صغير، ومع ذلك ظهرت عليه علامة النجابة و مخايل الرئاسة، فحفظ القرآن الكريم و هو ابن ثماني سنين، و واظب على الصلوات الخمس في أوقاتها، و قد كان يتلو القرآن كله في ركعة واحدة قبل بلوغ سن الرشد. ثم حفظ متون العلم، كـ "أبي شجاع" في فقه الشافعية، و "الآجرومية" في النحو، و درسهما على يد أخيه عبد القادر الذي كفله بعد أبيه. ثم انتقل إلى القاهرة سنة 911 هـ، و عمره إذا ذاك ثنتا عشرة سنة، فأقام في جامع أبي العباس الغمري و حفظ عدة متون منها: كتاب "المنهاج" للنووي، "ألفية ابن مالك"، "التوضيح" لابن هشام، "جمع الجوامع"، "ألفية العراقي" للحافظ العراقي، "تلخيص المفتاح"، "الشاطبية"، "قواعد ابن هشام". عرض ما حفظ على مشايخ عصره. لبث في مسجد الغمري يُعَلـِّم و يتعلم سبعة عشر عاماً، ثم انتقل إلى مدرسة أم خوند، و في تلك المدرسة بزغ نجمه و تألق. حبب إليه علم الحديث فلزم الاشتغال به و الأخذ عن أهله. و سلك طريق التصوف و جاهد نفسه بعد تمكنه في العلوم العربية و الشرعية.
شيوخه:
أفاض الشعراني في ذكر شيوخه في كتبه، و بين مدى إجلاله لهم خاصة في كتابه "الطبقات الكبرى" ، وذكر بأنهم نحو خمسين شيخاً، منهم من مشايخ العلم: أمين الدين الإمام و المحدث بجامع الغمري، شمس الدين الدواخلي، شمس الدين السمانودي، الإمام شهاب الدين المسيري، نور الدين المحلي، نور الدين الجارحي المدرس بجامع الغمري، نور الدين السنهوري الضرير الإمام بجامع الأزهر، ملا علي العجمي، جمال الدين الصاني، عيسى الأخنائي، شمس الدين الديروطي، شمس الدين الدمياطي الواعظ، شهاب الدين القسطلاني، صلاح الدين القليوبي، نور الدين بن ناصر، نور الدين الأشموني، سعد الدين الذهبي، برهان الدين القلقشندي، شهاب الدين الحنبلي، زكريا الأنصاري، شهاب الدين الرملي، جلال الدين السيوطي، ناصر الدين اللقاني، و من مشايخ الصوفية: علي المرصفي، محمد الشناوي، علي الخواص.
مؤلفاته:
عاش الشعراني 75 عاماً، و ذكر أنه خلف فيها 300 كتاب في موضاعات شتى، منها: "الفتح المبين في جملة من أسرار الدين"، "البدر المنير في غريب أحاديث البشير النذير"، "حقوق أخوة الإسلام" مواعظ، "مختصر التذكرة في أحوال الموتى و أمور الآخرة" (تذكرة القرطبي) مواعظ، "القواعد الكشفية" في الصفات الإلهية، "الميزان الكبرى" في الفقه الإسلامي و مذاهب أصول الفقه و هو مدخل لجميع أقوال الأئمة المجتهدين و مقلديهم، "الدرر المنثورة في بيان زبد العلوم المشهورة" رسالة و هي موسوعة في علوم القرآن و الفقه و أصوله و الدين و النحو و البلاغة و التصوف،"كشف الغمة عن جميع الأمة" في الفقه على المذاهب الأربعة، "تنبيه المفترين في القرن العاشر على ما خالفوا فيه سلفهم الطاهر"، "تنبيه المغترين في آداب الدين"، "أدب القضاة"، "الأجوبة المرضية عن أئمة الفقهاء والصوفية" ، "إرشاد الطالبين إلى مراتب العلماء العالمين"، "بهجة النفوس و الأسماع و الأحداق فيما تميز به القوم من الآداب و الأخلاق"، "الجواهر و الدرر الكبرى" و "الجواهر و الدرر الوسطى"، "الكوكب الشاهق في الفرق بين المريد الصادق وغير الصادق"، "البحر المورود في المواثيق و العهود"، "الطبقات الصغرى"، "لواقح الأنوار في طبقات الأخيار" مجلدان المسماة بـ"الطبقات الكبرى" أو "طبقات الشعراني الكبرى"، "ذيل لواقح الأنوار" جزء صغير، "الطبقات الوسطى"، "الأنوار القدسية في بيان آداب العبودية"، "لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية"، "مشارق الأنوار في بيان العهود المحمدية"، "الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية"، "اليواقيت و الجواهر في بيان عقائد الأكابر"، "مدارك السالكين إلى رسوم طريق العارفين"، "لطائف المنن و الأخلاق في بيان وجوب التحدث بنعمة الله على الإطلاق" و تعرف بـ "المنن الكبرى" في التصوف و الأخلاق الإسلامية، "منح المنة التلبس بالسنة"، "المنح السنية" شرح وصية المتبولي،"المختار من الأنوار في صحبة الأخيار"، "إرشاد المغفلين من الفقهاء و الفقراء إلى شروط صحبة الأمراء" رسالة، "مختصر كتاب "صفوة الصفوة" لأبي الفرج ابن الجوزي، "مختصر الألفية لابن مالك" في النحو، "المقدمة النحوية في علم العربية"، "تذكرة شهاب الدين أحمد سلاقة القليوبي الشافعي، "الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر" يدافع فيه عن محي الدين بن عربي، "درر الغوّاص على فتاوى سيدي علي الخواص "درر الغوّاص من فتاوى الشيخ علي الخوّاص"، "مختصر تذكرة الإمام السويدي" رسالة في الطب.
وفاته
توفي الإمام الشعراني في القاهرة، في جمادى الأولى سنة 973 هـ، و دفن بجانب زاويته بين السورين. و قام بالزاوية بعده ولده الشيخ عبد الرحمن، ثم توفى سنة إحدى عشرة بعد الألف.
«اليواقيت و الجواهر في بيان عقائد الأكابر»
الإمام عبد الوهاب بن أحمد الشعراني (898-973هـ)×
"اليواقيت و الجواهر في بيان عقائد الأكابر"، كتاب في العقائد للإمام عبد الوهاب الشعراني المتوفى سنة 973هـ، و يُعتبر من أهم ما كتبه الشيخ عبد الوهاب الشعراني، إذ ألفه في العقائد و حاول فيه المطابقة بين عقائد أهل الكشف و عقائد أهل الفكر، و قد قسمه إلى جزأين، الأول ذكر فيه كل ما يتعلق بالوجدانية و قسمه إلى مقدمة و أربعة فصول ذكر فيها ما قيل و ما قال الإمام ابن عربي.
«العهود الكبرى»أو
«لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية»
الإمام عبد الوهاب بن أحمد الشعراني
(898-973هـ)×
يقول الإمام عبد الوهاب بن أحمد الشعراني مقدما لمؤلفه:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله رب العالمين، و أشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، و أشهد أن سيدنا و مولانا محمدا عبده و رسوله سيد الأولين و الآخرين، اللهم فصل و سلم عليه و على سائر الأنبياء و المرسلين وعلى آلهم و صحبهم أجمعين، صلاة و سلاما دائمين متلازمين أبد الآبدين آمين.
(وبعد) فهذا كتاب نفيس لم يسبقني أحد إلى وضع مثاله، و لا أظن أحدا نسج على منواله. ضمنته جميع العهود التي بلغتنا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم من فعل المأمورات و ترك المنهيات، و سميته ''لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية''.
و كان الباعث لي على تأليفه ما رأيته من كثرة تفتيش الإخوان على ما نقص من دنياهم، و لم أرى أحدا منهم يفتش على ما نقص من أمور دينه إلا قليلا، فأخذتني الغيرة الإيمانية عليهم و على دينهم فوضعت لهم هذا الكتاب المنبه لكل إنسان على ما نقص من أمور دينه. فمن أراد من الإخوان أن يعرف ما ذهب من دينه فلينظر في كل عهد ذكرته له في هذا الكتاب و يتأمل في نفسه، يعرف يقينا ما أخل به من أحكام دينه، فيأخذ في التدارك أو الندم و الاستغفار إن لم يمكن تداركه.
ثم لا يخفى عليك يا أخي أن مجموع أحكام الشريعة ترجع إلى ثلاثة أمور: أمر، و نهي، و مرغوب فيه لم يصرح الشارع فيه بأمر و لا نهي و إنما رغب في فعله بالثواب أو رهب من تركه بفوات الثواب كالوضوء على الوضوء. فإن الترغيب في فعل شيء مؤذن بالرضا عن فاعله، كما أن الترهيب من فعل شيء مؤذن بعدم الرضا عن فاعله و إن كان ذلك لم يلحق بدرجة الأمر و النهي الصريحين. و عبارة الشيخ عز الدين بن عبد السلام في قواعده الكبرى: ''اعلم أن كل فعل مدح في نفسه، أو مدح فاعله من أجله، أو وعد عليه بخير عاجل أو آجل، فهو مأمور به لكنه متردد بين الإيجاب و الندب''.
و قد قسمت الكتاب على قسمين: القسم الأول في بيان ما أخل به الناس من المأمورات، و القسم الثاني في بيان ما أخل به الناس من اجتناب المنهيات.
و إنما بدأت في أول الكتاب بقسم المأمورات و أخرت المنهيات، و إن كان الواقعون في المنهيات أكثر عملا بالأصل من حيث أن الطاعات أصلية والمعاصي عارضة، و أن كل مؤمن يود أن يطيع الله تعالى و لا يعصي أمره أبدا، و لكن لله تعالى في تقديره المعاصي على عبده حكم و أسرار لا تخفى على من في قلبه نور.
ثم اعلم يا أخي أن طريق العمل بالكتاب و السنة قد توعرت في هذا الزمان، و عز سالكها لأمور عرضت في الطريق يطول شرحها، حتى صار الإنسان يرى الأخلاق المحمدية فلا يقدر على الوصول إلى التخلق بشيء منها. فلذلك كنت أقول في غالب عهود العهود المحمدية: ''و هذا العهد يحتاج من يعمل به إلى شيخ يسلك به الطريق و يزيل من طريقه الموانع التي تمنعه عن الوصول إلى التخلق به" أو نحو ذلك من العبارات، إشارة إلى أنه لا يلزم من معرفة الفقيه بالأحكام الوصول إلى العمل بها، بل يحتاج مع ذلك إلى شيخ يريه معالم الطريق كما وقع للإمام الغزالي و الشيخ عز الدين بن عبد السلام و غيره.
و إنما شيدت كل عهد منه بالأحاديث الشريفة إعلاما لك يا أخي بأن عهود الكتاب مأخوذة من الكتاب و السنة نصا و استنباطا، لئلا يطعن طاعن فيها، وسدا لباب الدس من الحسدة في هذا الكتاب، كما وقع لي ذلك في كتاب ''البحر المورود في المواثيق و العهود'' الذي جمعت فيه عهود المشايخ التي أخذوها علي، فإن بعض الحسدة لما رأى إقبال الناس على تلك العهود و عرف عجزه عن الوفاء بها مع ادعائه المشيخة عمل حيلة و استعار من بعض المغفلين من أصحابي نسخة و أوهمه شدة الاعتقاد في جنابي، و كتب منها عدة عهود و دس فيها أمورا مخالفة لظاهر الكتاب و السنة و أشاعها عني في مصر، فحصل بذلك فتنة عظيمة في الجامع الأزهر و غيره. و انتصر لي الشيخ ناصر الدين اللقاني و الشيخ شهاب الدين الرملي و جماعة، و أجابوا عني بتقدير صحة ذلك مني. و ما سكنت الفتنة حتى أرسلت للعلماء نسختي التي عليها خطوطهم ففتشوها فلم يجدوا فيها شيئا مما دسه الحسدة و أشاعوه عني.
و من تلك الواقعة ما ألفت كتابا إلا و تعرضت فيه لما دسته الحسدة في كتبي، و تبرأت فيه من كل شيء يخالف الكتاب و السنة طلبا لإزالة ما في نفوس بعض الناس لئلا يحصل لهم الإثم بذلك. فهذا كان سبب تشييدي لعهود هذا الكتاب بالأحاديث و الآثار، فإن الحاسد لو دس فيه شيئا يخالف الأحاديث التي أذكرها لا يروج له أثر عند الناس، و كيف يستدل مؤلف لكلامه بالأحاديث التي يخالفه منطوقها أو مفهومها، هذا أمر بعيد، فالله يحفظ هذا الكتاب من مثل ذلك إنه سميع مجيب.
و اعلم يا أخي أن رسول االله صلى االله عليه و سلم لما كان هو الشيخ الحقيقي لأمة الإجابة كلها، ساغ لنا أن نقول في تراجم عهود الكتاب كلها: ''أخذ علينا العهد العام من رسول االله صلى االله عليه و سلم''، أعني معشر جميع الأمة المحمدية، فإنه صلى الله عليه و سلم إذا خاطب الصحابة بأمر أو نهي أو ترغيب أو ترهيب انسحب حكم ذلك على جميع أمته إلى يوم القيامة، فهو الشيخ الحقيقي لنا بواسطة أشياخ الطريق أو بلا واسطة، مثل من صار من الأولياء يجتمع به صلى االله عليه و سلم في اليقظة بالشروط المعروفة عند القوم، و قد أدركت بحمد االله تعالى جماعة من أهل هذا المقام كسيدي علي الخواص، و الشيخ محمد العدل، و الشيخ جلال الدين السيوطي، و أضاربهم رضي الله عنهم أجمعين.
ثم لا يخفى عليك يا أخي أن من شأن أهل الله عز وجل كونهم يأخذون العهد على المريد بتركه المباح زيادة على الأمر و النهي طلب الترقية، إذ المباح لا ترقي فيه من حيث ذاته و إنما هو أمر برزخي بين الأمر و النهي، جعله الله تعالى مرتبة تنفيس للمكلفين يتنفسون به من مشقة التكليف، إذ الإقبال على الله تعالى في امتثال الأمر و اجتناب النهي على الدوام ليس من مقدور البشر، فأراد أهل الله تعالى للمريد أن يقلل من المباح جهده، و يجعل موضعه فعل مأمور و اجتناب منهي أو مرغب في فعله أو تركه لأخذهم بالعزائم دون الترخيصات. فترى أحدهم يفعل المندوب مع شدة الاعتناء به كأنه واجب، و يجتنب المكروه كأنه حرام، و يترك المباح كأنه مكروه، و يفعل الأولى كأنه مستحب، و يستغفر من فعل المكروه كأنه حرام، و يتوب من فعل خلاف الأولى كأنه مكروه، و يتوب من ترك المندوب كأنه واجب. و من القوم من يقلب المباح بالنية الصالحة إلى خير فيثاب عليه ثواب المندوب، كأن ينوي بأكله التقوي على عبادة الله تعالى أو بنومه في النهار التقوي على قيام الليل عند من لم يصح عنده حديث ''استعينوا بالنوم في القيلولة على قيام الليل''، أما من صح عنده هذا الحديث فهو مستحب أصالة لا جعلا، و قد كان الشيخ أبو الحسن الشاذلي يسمي النوم وردا و يقول: ''لا أحد يوقظني من ورد النوم حتى أستيقظ بنفسي''.
فاعلم أن أهل الله تعالى من شأنهم أن لا يوجدوا إلا في فعل واجب و ما ألحق به من المندوب و الأولى، أو في اجتناب منهي و ما ألحق به من المكروه و خلاف الأولى. فإياك يا أخي أن تبادر إلى الإنكار عليهم إذا رأيت أحد منهم يأخذ العهد على مريد بتركه المباح، و تقول: ''كيف يأخذ العهد على مريده بترك المباح مع أن الشارع أباحه له؟''، فإنك في واد وأهل الله في واد. و قد صح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى بعض أهله عن فعل المباح، فنهى فاطمة رضي الله عنها عن لبس الحرير و الذهب مع أنه صلى الله عليه و سلم أباحهما لإناث أمته و قال: ''يا فاطمة، من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة''، و نهى صلى الله عليه و سلم عائشة رضي الله عنها عن الأكل في يوم واحد مرتين و قال لها: ''أكلتان في النهار إسراف و الله لا يحب المسرفين'' مع أنه صلى الله عليه و سلم أباح لأمته أن يجمعوا كل يوم بين الغداء و العشاء بل هو الأكثر من فعله صلى الله عليه و سلم رحمة بالضعفاء من .
و قد عمل القوم على نحو ذلك مع المريدين الصادقين، فآخذوا المريد بتناوله الشهوات المباحة، و بوضعه جنبه إلى الأرض من غير ضرورة، و بالأكل من غير جوع، و بالنسيان و بالاحتلام، و كذلك آخذوه بمد رجله في ليل أو نهار إلا لضرورة، إلى غير ذلك. و لهم في ذلك أدلة يستندون إليها.
فأما دليلهم في مؤاخذتهم المريد بأكل الشهوات المباحة فهو كون الحق تعالى نعى أهل النار بأكلهم الشهوات بقوله تعالى ”أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا و استمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون'' و قالوا: ما نعاه الله تعالى عن أهل النار و جزاهم عليه بالعذاب فالمؤمن أولى أن يتركه. و كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول في قوله تعالى: ”فسوف يلقون غيا” هو واد في جهنم يقذف فيه الذين يتبعون الشهوات وأوحى االله تعالى إلى داود عليه الصلاة والسلام : يا داود حذر و أنذر قومك من أكل الشهوات فإن قلوب أهل الشهوات عني محجوبة'' اه، و النوم كذلك بجامع الغفلة و الحجاب عن الله تعالى إلا لضرورة.
و أما دليلهم في مؤاخذتهم المريد بالنسيان فإنه لا يصح وقوعه من المريد إلا بعد تعاطيه مقدمات ذلك الأمر الذي نسيه من الغفلة و التهاون به، بدليل ما قاله علماؤنا فيمن نسي الماء في رحله أو أضله فيه فلم يجده بعد الطلب، فتيمم و صلى، أنه يقضي ما صلاه بالتيمم، نسبوه إلى التقصير في نسيانه و إضلاله، و قالوا: لو صلى بنجس لم يعلمه وجب القضاء في الجديد و إن علم به ثم نسي وجب القضاء على المذهب، و النظائر كثيرة. و كان الشيخ محي الدين بن العربي رضي الله عنه يقول: ''إنما آخذ القوم المريد بالنسيان لأن مبنى طريقهم على الحضور الدائم مع الله عز وجل، و النسيان عندهم نادر، و النادر لا حكم له''، مع أن القاعدة الشرعية رفع حكم النسيان إلا ما استثني، كتدارك ما نسيه من الصلاة و ضمان ما أكله من طعام الغير بغير إذنه ناسيا، و نحو ذلك. ثم ليتأمل ذلك الناسي في نفسه في شدة اعتنائها بتحصيل أمر الدنيا و ىعدم وقوعه في نسيانه، كما إذا وعده شخص بألف دينار يعطيها له في الوقت الفلان، كيف يصير يتذكر ذلك لحظة بعد لحظة حتى يأتي وقته حرصا على سحت الدنيا، فأراد أهل الله تعالى من المريد أن يقلب تلك الداعية التي عنده للدنيا و يجعلها لأمور الآخرة ليفوز بمجالسة الله تعالى في الدارين.
و أما دليلهم في مؤاخذتهم المريد بالاحتلام فلأنه لم يقع منه إلا بعد مقدمات التساهل بالنظر إلى ما لا يحل غالبا أو التفكير فيه، فلما عجز عن الوصول إليه حال النظر و التفكر أتاه إبليس في المنام ليسخر به، فإن من لا يطلق بصره إلى محرم و لا يتفكر فيه لا يحتلم أبدا. و لذلك لم يقع الاحتلام إلا من المريدين و العوام دون الأكابر، فإن الأكابر إما معصومون كالأنبياء أو محفوظون كالأولياء، ثم إن وقع أن أحدا من أكابر الأولياء احتلم فإنما يكون ذلك في حليلته من زوجه أو جاريته لا فيما لا يحل له وسببه غفلته عن تدبير جسده لما هو عليه من الاشتغال بالله عز وجل أو أمر المسلمين، كما بلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه احتلم في جاريته و قال: ''قد ابتلينا بهذا الأمر منذ اشتغلنا بأمر المسلمين''.
و أما دليلهم في مؤاخذة المريد بمد رجله من غير ضرورة في ليل أو نهار فهو علمهم بأن المريد بين يدي الله عز و جل على الدوام، شعر بذلك أم لم يشعر، فأرادوا منه أن يواظب على ترك مد رجله بحكم الإيمان على أنه بين يدي الله حتى ينكشف حجابه و يشهد الأمر يقينا وشهودا و هناك يرى ضربه بالسيف أهون عليه من مد رجله لغير حاجة، بل لو خير بين مد رجله و دخول النار لاختار دخول النار. و قد بلغنا عن إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه أنه قال: ''مددت رجلي بالليل و أنا جالس أقرأ وردي و إذا بهاتف يقول: يا إبراهيم ما هكذا ينبغي مجالسة الملوك''، قالوا فما مد إبراهيم رجله حتى مات بعد عشرين سنه.
فاعلم من مجموع ما قررناه من باب أولى أن أهل الله عز وجل لا يسامحون المريد بارتكابه شيئا من المكروهات فضلا عن المحرمات الظاهرة أو الباطنة، و أن طريقهم محررة على موافقة الكتاب و السنة كتحرير الذهب، بخلاف ما يظنه من لا علم له بطريقهم. و قد أجمع أهل الله تعالى على أنه لا يصح دخول حضرة الله تعالى في صلاة و غيرها إلا لمن تطهر من سائر الصفات المذمومة ظاهرا أو باطنا، بدليل عدم صحة الصلاة لمن صلى و في ثوبه أو بدنه نجاسة غير معفو عنها، أو ترك لمعة من أعضائه بغير طهارة، و من لم يتطهر كذلك فصلاته صورة لا روح فيها، لا حقيقية. كما أن من احتجب عن شهود الحق تعالى بقلبه في لحظة من صلاته بطلت صلاته عند القوم كذلك. و قد نبه الشارع صلى الله عليه و سلم باشتراط الطهارة الظاهرة على اشتراط الطهارة الباطنة، فأراد أهل الله تعالى من المريد أن يطابق في الطهارة بين باطنه و ظاهره ليخرج من صفة النفاق، فإن المنافقين في الدرك الأسفل من النار. و في حديث مسلم مرفوعا: "إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم و لا إلى أجسامكم و لكن ينظر إلى قلوبكم''.
و كذلك أجمع أهل الطريق على وجوب اتخاذ الإنسان له شيخا يرشده إلى زوال تلك الصفات التي تمنعه من دخول حضرة الله تعالى بقلبه لتصح صلاته من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. ول ا شك أن علاج الأمراض الباطنية من حب الدنيا، و الكبر و العجب، و الرياء، و الحسد، و الحقد، و الغل، و النفاق، و نحوها كله واجب، كما تشهد له الأحاديث الواردة في تحريم هذه الأمور و التوعد بالعقاب عليها. فاعلم أن لك من لم يتخذ له شيخا يرشده إلى الخروج من هذه الصفات فهو عاص الله تعالى و للرسول صلى الله عليه و سلم، لأنه لا يهتدي لطريق العلاج بغير شيخ و لو حفظ ألف كتاب في العلم، فهو كمن يحفظ كتابا في الطب و لا يعرف ينزل الدواء على الداء. فكل من سمعه و هو يدرس في الكتاب يقول أنه طبيب عظيم، و من رآه حين يسأل عن اسم المرض و كيفية إزالته قال إنه جاهل.
فاتخذ لك يا أخي شيخا و اقبل نصحي، و إياك أن تقول: طريق الصوفية لم يأت بها كتاب و لا سنة، فإنه كفر. فإنها كلها أخلاق محمدية، سداها و لحمتها منها. و اعلم أن كل من رزقه الله تعالى السلامة من الأمراض الباطنية كالسلف الصالح و الأئمة المجتهدين فلا يحتاج إلى شيخ بل الإنسان على نفسه بصيرة
. فأمعن يا أخي النظر في هذه الخطبة و الكتاب و اعمل به، فإنك إن شاء الله لا تضل و لا تشقى، والحمد الله رب العالمين.
«الطبقات الكبرى»
المسمى
«لواقح الأنوار القدسية في مناقب العلماء و الصوفية»
الإمام عبد الوهاب بن أحمد الشعراني
(898-973هـ)×
قال المؤلف في المقدمة:
"و بعد، فهذا كتاب لخصت فيه طبقات جماعة من الأولياء الذي يقتدى بهم في طريق الله عز و جل، من الصحابة و التابعين إلى آخر القرن التاسع و بعض العاشر.
و مقصود بيت أليفه فقه طريق القوم في التصوف، من آداب المقامات و الأحوال لا غير، و لم أذكر من كلامهم إلا عيونه و جواهره دون ما شاركهم غيرهم فيه مما سطوره في كتب الشريعة.
و كذلك لا أذكر من أحوالهم في بداياتهم إلا ما كان منشطا للمريدين، كشدة الجوع، و السهر، و محبة الخمول، و عدم الشهرة، و نحو ذلك، أو كان يدل على تعظيم الشريعة دفعا لمن يتوهم في القوم أنهم رفضوا شيئا من الشريعة حين تصوفوا كما صرح به ابن الجوزي في الغزالي بل في حق الجنيد و الشبلي فقال في حقهم: ''و لعمري لقد طوى هؤلاء بساط الشريعة طيا، فيا ليتهم لم يتصوفوا''.«البحر المورود في المواثيق و العهود»
الإمام عبد الوهاب بن أحمد الشعراني (898-973هـ)×
كتاب مهم في التصوف للامام الشعراني يتضمن عهودا و مواثيق أخذت عليه من مشايخه الذين أدركهم في القرن العاشر في مصر، و هم نحو من مائة شيخ ذكرهم و ذكر مناقبهم. و قد ركز الشعراني في هذا الكتاب على مهاجمة الفقهاء الجامدين مركزا حملته على الجانب الأخلاقي و الإيماني.
«عبد الرحمن بن محمد الفاسي »
(972-1036هـ)×
هو عبد الرحمن بن محمد بن يوسف بن عبد الرحمن بن أبي بكر محمد بن عبد الملك بن أبي بكر محمد بن عبد الله بن يحيى بن فرج بن الجد، أبو زيد و أبو محمد، الفهري الكناني النسب، المالقي الأندلسي الأصل، القصري الولادة و المنشأ، الفاسي اللقب و الدار و الوفاة.
و كان جده يوسف بن عبد الرحمن يتردد من فاس إلى القصر الكبير للتجارة، فلقب عند أهل القصر بالفاسي.
ولد بالقصر الكبير في محرم سنة 972هـ، و مات والده أبو عبد الله و هو صغير، فربي في حجر أخيه الشيخ أبي المحاسن الفاسي (تـ 1013هـ). بدأ طلب العلم بمسقط رأسه صحبة أبي العباس ابن الشيخ أبي المحاسن، ثم بعثهما الشيخ المذكور إلى فاس سنة 986هـ، لاستكمال التحصيل و الطلب. فأخذ عن كبار علماء عصره مثل الشيخ أحمد بن علي المنجور ( ت 995هـ)، و الشيخ محمد بن قاسم القصار ( ت 1012هـ)، و لازم أخاه الشيخ أبا المحاسن مدة طويلة، و ورث طريقته في التصوف بعد وفاته، و أسقط وظيفة الشيخ أبي العباس زروق، و حزب الشيخ أبي عبد الله الجزولي.
و في سنة سبع وعشرين و ألف (1027هـ)، بنى زاويته التي بإزاء داره، و انتقل إليها بأصحابه، فتصدى للتدريس و إقراء الحديث، وكان رحمه الله يقول: "لا أحتاج في قراءة البخاري و مسلم و الموطأ إلى مطالعة شيء سوى "المشارق" لعياض، و أما ما يتعلق بمعنى الحديث، فلا أحتاج فيه لأحد".
و من أشهر الأعلام الذين تتلمذوا على يديه نذكر: أحمد بن علي بن محمد البوسعيدي ( ت 1046هـ)، و محمد العربي بن يوسف الفاسي (ت 1052هـ )، و محمد بن أحمد مَيَّارة الفاسي ( ت 1072هـ).
وقد أثنىى فقهاء العصر و متصوفته على الشيخ عبد الرحمن العارف الفاسي، و اعترفوا له بالفضل و العلم، حتى قال فيه أبو العباس أحمد المقري ( ت 1041هـ) لما دخل مصر، و كان قد سئل عن أعيان فاس، فذكرهم، ثم قال: "و فيها سيدي عبد الرحمن الفاسي، هو الجُنيد ظهر في وقته". و قال عنه تلميذه محمد ميارة: "كان رحمه الله إماما متفننا دراكا، شهد له بذلك شيوخه و أقرانه، زاهدا لم يتعاط قط أسباب الدنيا، له معرفة بالنحو و اللغة و الفقه و الأصول و المنطق و البيان، و علم الكلام، وغير ذلك. و أما التفسير و الحديث و التصوف المؤيد بالكتاب و السنة، فلا يجارى في ذلك أصلا. تصحح من فيه نسخ البخاري و مسلم، يستحضر جل مسائل مشارق عياض على الصحيحين و الموطأ، و يستحضر معارضات الآيات، و معارضات الأحاديث، و أجوبتها، و ما قيل في ذلك من صحيح وسقيم، ومآخذ التصوف من الكتاب والسنة".
ألف الشيخ عبد الرحمن العارف الفاسي تصانيف في التفسير، و الحديث، و الفقه، و العقائد، و التصوف، منها: "تفسير الفاتحة على طريق الإشارة"، "حاشية الجلالين"، "حاشية على صحيح البخاري" كثيرة النكت و الفوائد، "حاشية على الحزب الكبير للشاذلي"، "حاشيتان على شرح الصغرى"، "حاشية على مختصر خليل".
توفي رحمه الله في آخر ليلة الأربعاء السابع و العشرين (27) من ربيع الأول سنة ست وثلاثين و ألف (1036هـ)، و دفن في روضة أخيه الشيخ أبي المحاسن، قريبا من القبة، في شمالها.
ملحوظة: تقدم أن المترجم يكنى بأبي زيد و بأبي محمد، و قد يشتبه على بعض الباحثين بأبي زيد عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي (ت 1096هـ).
«الرحلة العياشية»
أبو سالم العياشي (1037-1090هـ/1627-1679م)×
رحل العياشي غير مرة إلى الحج، كانت أولها سنة 1059هـ، حيث لقي المشايخ و استجازهم، ثم رحل مرة ثانية، و جاور بالمدينة المنورة و الحرم الشريف.
بدأ رحلته من سجلماسة إلى بني عباس ثم طرابلس ثم برقة فالجبل الأخضر و درنة فالقاهرة و السويس و العقبة، و وصل إلى القدس في محرم عام 1074هـ/1662م. سكن العياشي أثناء اقامته في القدس زواية المغاربة، الموقوفة على الشيخ أبي مدين الحفيد، ثم انتقل إلى بيت بجوار رواق الشيخ منصور، ثم زار الطور و عين سلوان و مقام النبي موسى.
و سجل رحلته في كتاب يحمل عنوان "الرحلة العياشية" نسبة لمؤلفه عبد الله بن محمد بن أبي بكر العياشي، و قد وصف الحرم القدسي الشريف في رحلته، و أورد بعض قياسات الصخرة و القباب التذكارية الموجودة هنا و هناك في سطوح الصخرة. و تطرق في حديثه للمسجد الأقصى القديم، ثم تحدث عن الحياة العلمية في القدس، و قضاة القدس المغاربة أمثال القاضي التونسي النفاتي، و الشيخ عمر بن محمد العلمي إمام الصوفية في القدس.
«أبو سالم العياشي »
(1037-1090هـ/1627-1679م)×
أبو سالم عبد الله بن محمد بن أبي بكر العياشي، رحالة و فقيه مغربي، هو صاحب الرحلة الشهيرة "ماء الموائد".
ينتمي أبو سالم عبد الله العياشي إلى قبيلة أمازيغية تدعى آيت عياش بجبل العياشي. ولد في شعبان 1037هـ/1627م وكان والده يلازم شيوخ الزاوية الدلائية، حتى أشار عليه شيخها محمد بن أبي بكر الدلائي بتأسيس زاوية ليعلم و يطعم فيها الناس في منطقة جبل العياشي. فتربى أبو سالم العياشي في زاوية والده، و تلقى بها تعليمه الأول قبل أن يرحل إلى درعة للأخذ على شيخها محمد بن ناصر الدرعي، ثم انتقل إلى فاس للأخذ عن علماء القرويين، حيث تتلميذ على يد العلامة عبد القادر الفاسي. و لم يزر مراكش ولا الزاوية الدلائية طلبا للعلم بفعل الظرفية السياسية الخطيرة التي سادت المغرب في النصف الأول من القرن السابع عشر ميلادي، لكنه عوض ذلك بمراسلة علماء الزاوية الدلائية، مثل محمد المرابط الدلائي و الحسن اليوسي، و الطيب بن محمد المسناوي، و محمد بن محمد بن أبي بكر الصغير الدلائي، بالإضافة إلى المراسلات التي كانت له مع فقهاء مراكش، أشهرهم أبو بكر السكتاني.
يعتبر من أبرز أعلام المغرب و المشرق خلال القرن الحادي عشر الهجري، حيث أسند إليه كرسي التدريس بالمدينة المنورة، كما أسند له كرسي التدريس و الإفتاء بفاس، قبل أن يستقر نهائيا في الزاوية العياشية، التي أسسها والده، لكنها اشتهرت في عهده، بعد أن قام ببعث الزاوية من جديد بناءً و تجديداً، فأصبحت قبلة لطلاب العلم، و مقصدا لأهل الحوائج، و محجا للفقراء و المريدين الذين يأتون إليها من كل بقاع المغرب، مما جعل الزاوية تحمل اسمه و تنسب إليه.
توفي أبو سالم العياشي بالطاعون سنة 1090هـ/1679م.«عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي »
(1040-1096هـ/1631-1685م)×
هو الإمام العلّامة أبو زيد عبد الرحمن ابن الشيخ عبد القادر بن علي بن أبي المحاسن يوسف الفاسي الفِهري، فقيه و عالم. ولد عند زوال يوم الأحد سابع عشر جمادى الأخيرة عام 1040هـ بمنزل والده في العيون من عدوة فاس القرويين. و بها نشأ وحفظ القرآن و هو ابن سبع سنين.
قرأ على كثير من علماء فاس في وقته، على رأسهم والده سيدي عبد القادر الفاسي (تـ 1091هـ)،و عمّه أحمد بن علي الفاسي (تـ 1062هـ)، و قريبه محمد بن أحمد بن أبي المحاسن الفاسي (تـ 1084هـ)، و الشيخ حمدون بن محمد الآبار (صاحب حاشية على ''مختصر خليل'' و فتاوي كثيرة و كان قد تقلد خطة الخطابة بجامع الأندلس بفاس، تـ 1071هـ)، و أحمد بن محمد الزموري (خطتي القضاء والتدريس، تـ 1057هـ)، و محمد ميارة (صاحب الشرحين على ''المرشد المعين على الضروري من علوم'' الدين لابن عاشر، و شرح ''لامية الزقاق''، و شرح ''تحفة ابن عاصم في الأحكام''، تـ 1072هـ)، و أحمد بن محمد القلصادي (تـ 1063هـ)، و محمد بن أحمد الصبّاغ (تـ 1076هـ)، و عبد الرحمان ابن القاضي، ابن عم المؤرخ الشهير أحمد ابن القاضي (كان عالما مشاركا و كانت له دراية كبيرة بعلم القراءات الذي كان يدرسه في جامع القرويين، تـ 1082هـ).
و بعدما تمكن من ناصية العلوم، جلس للتدريس، فكانت حِلَقُه العلميّة منارة تَعُجُّ بشيوخه و أقرانه و طُلّاب العلم، مثل: ابنه محمد (تـ 1134هـ)، و محمد بن محمد البُوعْنَاني (تـ 1063هـ)، و أبو عبد الله عبد الله بن محمد العيَّاشي (تـ 1073هـ) و من في طبقتهم.
و مما عرف به سيدي عبد الرحمن أيضا انكبابه على التأليف في مختلف العلوم، فترك مؤلفات تربو على مائتي كتاب في الحديث، العقائد والفقه المالكي، والقضاء، والتصوف، و الأدب، و التاريخ، و الطب، و الفلك ، و التراجم، و الأنساب، استوفى ابنه محمد ذكرها في الكتاب الذي ألفه في والده الموسوم بـ: ''اللؤلؤ و المرجان في مناقب الشيخ عبد الرحمن''. من أبرز مؤلفاته نذكر:
- في الحديث و الفقه و القضاء: “استطابة التحديث بمصطلح الحديث”، ''مفتاح الشفاء” (أي شفاء القاضي عياض)، “السكينة في تحديث أهل المدينة”، ''ابتهاج الأرواح بنظم كتاب الاقتراح'' (كتاب الاقتراح للسيوطي)، “العمل الفاسي” الذي هو أشهر ما أبدع فيه العلامة عبد الرحمن الفاسي، وهو مؤلف جامع مفيد في الأقضية و الأحكام التي صدرت عن قضاة فاس، نظمه المؤلف في 427 بيت من بحر الرجز ملخصا فيه سلسلة من الصيغ القضائية، و لأنه كتاب مختصر، فقد وضعت له شروح متعددة؛
- في التصوف و التراجم: ''تحفة الأكابر في مناقب الشيخ عبد القادر''، “ابتهاج البصائر فيمن قرأ على الشيخ عبد القادر”، وابتهاج القلوب بخبر الشيخ أبي المحاسن و شيخه المجذوب''، ''أزهار البستان في مناقب الشيخ أبي محمد عبد الرحمن''، “عوارف المنة في مناقب أبي عبد الله محمد فتحا بن عبد الله معن محيي السنة”، و له “بائية في مدح صلحاء فاس” مطلعها:
ألا مل إلى فاس فتلك مني القلب وحدث بها عمن ثوى باطن الترب
وقد عارض بها سينية ابن باديس في مدح الشيخ عبد القادر الجيلاني:
ألا مل إلى بغداد فهي مني النفس وحدث بها عمن ثوى ساكن الرمس
- في الطب: “اختصار أرجوزة ابن سينا في الطب”، “تهذيب المقاصد في الطب من نصبة الموالد”، “الاصطلاح في علاج العرض الهام”، “التلميح في التشريح”، “تفسير الأعشاب” ؛
- في الفلك: ''نخبة الطلاب في عمل الأسطرلاب''، “الانتخاب في عمل الأسطرلاب”، “برقات المعاني في أوقات الأيام والليالي”، و “تحفة الطلاب في عمل الأسطرلاب”، “توجيزالمسهوم من آداب النجوم”، “توسط الكواكب مع درج البروج” ؛
- في الأدب و المنطق و الكلام و الشعر: “العجب في علم الأدب”، “الإتحاف في اختصار الأرداف”، “اختصار السلك في المنطق”، “الأحكام في علم الكلام”، “تمهيد السلاسة في علم الساسة”، “تآليف في صناعة الشعر”، “معارضة قصيدة أبي الشق”، “الجرومية في التغزل”، و له ديوان شعر جمعه ابنه محمد وأدمجه في الجزء الخامس من كتاب “اللؤلؤ والمرجان في مناقب الشيخ عبد الرحمان” الذي وضعه للتعريف بوالده؛
- ''الأقنوم في مبادئ العلوم'': دائرة معارف و هي رجز تعليمي نفيس تناول سيدي عبد الرحمن الفاسي فيها 281 علما كانت معروفة في عصره كالعقائد، و التفسير، و أصول الفقه، و النحو، و المعاني، و العلوم العقلية و التطبيقية... قال في وصفها:
جمعت منها المــوجز القريبا لكي يرى في جـــعه عجيبا
من كل مدخــل إلـــى علــوم ونظمـــه أسميه بالأقنـــوم
شبـه النقــايـة ولكــي أزيـد علما، ومنظــوم لكـي أفـيد
جئت به في قصدها تتميما كيما يكـون جامــع عظــيما
وذاك لمــا رأيـــت الأعتنــــا بما على ما قل منها ودنــا
وددت لو لم تخـل من فنون تزيد والحديث ذو شــــجون
و في الفصل السادس و العشرون المتعلق بالأدب يقول سيدي عبد الرحمن الفاسي:
علم بكيفية إيجــاد الكــلام مع البلاغة بنثـــر أو نظـــام
لابد مـن دراســـة الأخبـــار فيه وعلم سالف الأعصــار
ولينتخ من كلــها صحـــيحة مع جودة العقـول والقـريحة
فيدخل الأحسن فـي كـلامـه بطريق تليــق فـي مقامــه
إلى أن يقول:
وليعــط أرفــع الكلام للـــرفيع من المخاطب ويخفى للوضيع
وليسلك الإيجــــاز في محـله كـل مقــــام مفـــــرد بقــــوله
إذ ليس الاختصــار بالمحـمود في كل ما يــرام من مقــصود
و فيما يتعلق بالأسلوب يقول الفاسي ببراعة وقصد عميق:
وهو عبـارة عــن المــنوال لنسج ما ركــب مـن مثـال
بصورة صارت لدى الخيـال بالذهن كالقالب والمنوال
انتزعت بالذهن مـن أعيان تراكب صحت بها معــاني
يرصها فـي قالــب كــالبنا أنواعها تخـــص فنــا فنـا
و في حديثه عن الذوق يقول الناظم:
والذوق وجــــداني لـــدى الكـــلام في اللسن مثل الذوق في الطعام
إذ بممــارسـة أسلـــــوب الـــــعرب حصلـــــت الملكـــــة التي تحــــب
صاحبها يسمــــــع غيـــر المعتـــــاد له يـــــراه عـــــن لســـــــانه حــــد
فـــــــذلك الــــــذوق يمجـــــــــه به لكونه خــــــــرج عـــن أســـــــلوبه
كانت وفاة سيدي عبد الرحمان الفاسي بفاس يوم الثلاثاء 16 جمادى الأولى عام 1096هـ/20 أبريل 1685م، و دفن بزاوية والده سيدي عبد القادر في حي القلقليين التي كان يدرس بها، وقبره معروف هناك اليوم.
اشتهر عبد الرحمن بحسن خُلقه، و تواضعه، و إنصافه، مما جعل ثلّة من كبار علماء عصره يصفونه بأوصاف حميدة:
- ففيه قال والده: ''سُيُوطِيُّ زَمَانه''،
- و أنشد فيه أبو سالم العيّاشي:
مَا فِـي البَسِيطَةِ طُرّاً مَنْ يُبَارِيكَــــا يَا أَطْيَبَ الـمُنْتَمَى سُبْحَانَ بَارِيكَـــا
وَقَدْ سَبَرْتُ الوَرَى فَلَمْ أَجِدْ أَحَـــــداً مِمَن يَرُومُ العُلَا مِنْهُم يُوَازِيكَـــــا
شَرْقاً وَغَرْباً فَلَمْ يَطْرُقْ مَسَامِعَنَــــا منْ فِي سِنِينِ الصِّبَا يـَجْرِي مَجَارِيكَـا
مَنْ أَلَفَّ الكُتْبَ فِـي سِنِّ البُلُوغِ وَمَـنْ لَهُ بِكُلِّ العُلُومِ كَفَتَاوِيكَــــــــا
غُصْنُ الـمَجَادَة فِـي دَوْحِ السِّيَادَةِ منْ رَوْض الوِلَايَةِ قَدْ جَلَّتْ مَعَالِيكَـــــا
رُقِيتَ فِـي رُتَبِ الـمَجْدِ الأَثِيلِ فَمَــا فِـي عَصْرِنَا أَحَدٌ يَرْقَى مَرَاقِيكَــــا
- و قال فيه محمد بن الطيب القادري: ''اتسعت مشاركته في العلوم، و شاعت براعته في المنظوم، أحد الأعلام الحفّاظ، له الذّوق السليم، و الفتح العظيم، و الغوص على الدقائق، و الاهتداء للّطائف الرّقائق، يأتي بالعجائب، و يحيط بما يدانيه من الغرائب، كثير التقييد، متّسع لكل مفيد، مُقَرَّبٌ مِشْكَار، شامخ لكلّ العزّ و المقدار''،
- و قال محمد بن محمد مخلوف: ''العمدة المحقّق، المتفنّن في العلوم، الحامل لراية المنثور و المنظوم''،
- و قال محمد بن جعفر الكتاني: ''إذا حضر في مجلس فهو الصّدر، و إذا تكلّم في مسألة شفا فيها الغليل''.
- و استدل محمد الأخضر في كتابه بشهادة الباحث لوبينياك في دراسته عن “الفصل المتعلق بالشفعة من العمل الفاسي “هسبريس جزء 26: 1939، ص: 193-239” التي يقول فيها: “يقدم كتاب العمل الفاسي المشهور في الفصل المتعلق بالشفعة مصلحة حقيقية، بما يأتي به من تجديد وتنوع في العمل الفقهي، ويعطي أمثلة متعددة لهذا التطور في الفقه الإيجابي المغربي، الذي يكون أحد ملامحه الأكثر جاذبية لبعض العقول الغربية، فالعمل الموضوع أمام الضرورات والحالات الجديدة، التي لم تكن معروفة عند المؤلفين القدماء، لم يتردد في أن يكيف لها القواعد ويلينها ويدخل الفروق الضرورية ليضمنه للمتقاضين حقا أكثر إنسانية وملائمة لمطامحهم وحاجياتهم، دون أن يتعارض مع القواعد الأساسية للفقه الأصلي؛ وهكذا يبدو، من حين لآخر، أن المبدأ القديم لثبات الفقه الإسلامي، ينبغي أن يراجع بعزم وإقدام”.
و لقد قام برثائه مجموعة من العلماء، من بينهم أبو سالم العياشي الذي يقول في مطلع قصيدته الرثائية:
ما في البسيطة طرا يباريكا يا أطيب المنتمى سبحان باريكا
و يقول عبد الملك التجموعتي في مطلع قصيدته الرثائية:
رحمك يا عبد الرحمان وحماك لولاك ما لذ لي القريض لولاك
«ممتع الأسماع في ذكر الجزولي و التباع و ما لهما من الأتباع»
محمد المهدي الفاسي×
الكتاب عبارة عن تاريخ الحركة الصوفية الجزولية بالمغرب في شكل سلسلة من التراجم، بدءا من القرن العاشر الهجري حتى بداية القرن الثاني عشر منه، لأشهر رجالاتها في مقدمتهم أبو عبد الله محمد بن سليمان الجزولي، و أبو فارس عبد العزيز التباع، و أجمل فيها أخبارهم و ما كان لهم من شأن في ميادين الورع و الإحسان. و أبرز المؤلف الدور الذي كانت تحظى به فاس على وجه الخصوص، و ذلك بالتعريف بجماعة من علمائها و أوليائها، كما أشار إلى بعض المدن و المناطق الأخرى التي كان يتلقى بها العلم، و يؤرخ لمجموعة من أعلامها، كما يذكر مجموعة من الأماكن التي لا نعرف مكان وجود بعضها اليوم كالأحياء و الأزقة.
و تناول محمد المهدي الفاسي تراجم و مناقب مجموعة من صلحاء فاس، و اعتمد في عمله على ما توفر لديه من مصادر و على ما جمعه من أخبار عن هؤلاء الصالحين، إذ حرص على إثبات النصوص كما جاءت في الأصل، مع ذكر اسم المصدر و اسم مؤلفه و ذلك بقوله أحيانا: "انتهى كلام صاحب ..."، و عند اعتماده على بعض المعلومات الشخصية يذكر بقوله: "وجدت بخط الشيخ ..." و "...حدثني بعض الثقاة". كما شغلت الكرامات قسما كبيرا من الكتاب، و تميزت بعض التراجم بالطول مثل ترجمة محمد بن عبد الله بن معن الأندلسي، و عبد الرحمان بن عياد، بينما بعضها جاء مختصرا كترجمة أحمد الردام، و علي فندريرو القصري، و لعل ذلك يرجع إلى شهرة الشخص، و ما توفر لدى المؤلف عنه من مصادر و مراجع عن ترجمته. و لم يكن للنساء حظا كبيرا داخل الكتاب، إذ لم يترجم المؤلف سوى لعائشة بنت عبد الله، أم محمد اليفرني صاحب "دوحة الناشر".
و صنف الأشخاص الذين ترجم لهم في الكتاب بحسب مدافنهم داخل الأبواب أو خارجها، و تتبع أحيانا مدافنهم داخل الحومات و الروضات. ثم اتبع ترتيبا معينا داخل التراجم، حيث يقدم الشخص المترجم له بكلمة "منهم" ثم يذكر بعد كنيته، اسمه و نسبه و لقبه و مدفنه. ثم يذكر صاحب المصدر أو المرجع، يشير إلى ذلك بكلمة "انتهى". و تأتي سنة ميلاد المترجم له في بداية الترجمة أما سنة وفاته فتأتي في وسط الترجمة أو نهايتها، و أحيانا تتنوع مصادره.
كما تميز أسلوب محمد المهدي الفاسي فيما كتبه بالسهولة حيث يستعمل في بداية الترجمة صفات متناسبة مع صفات الشخص، فإذا كان من العلماء نعته بصفات: "العارف"، "الراسخ الكبير"، "المحقق المتواصل"، و إن كان من الأولياء نعته بصفات: "الولي"، "الجليل"..... و تتخلل كتاب "ممتع الأسماع" بعض الكلمات المستعملة في لهجة الدارجة مثل: "يْطْلْلْ"، "رْغْبُوا"....، و بعض المصطلحات الصوفية مثل "الصوفي"، و "القطبانية".
و يعتبر كتاب "ممتع الأسماع" من بين أهم المصادر المتعلقة بتاريخ المغرب. لا تكاد تخلو معظم تراجم الكتاب من أخبار حول التاريخ السياسي للمغرب مثل:
- خروج النصارى من آسفي و أصيلا و أزمور
- تولية الشرفاء السعديين في مراكش سنة 930هـ
- خروج السلطان محمد الشيخ من ملكه بفاس بسبب حركة أبي حسون المريني إليه مع صالح باشا التركماني
- قتل قاضي فاس أبي محمد عبد الوهاب الزقاق، لاتهامه بالميل إلى أبي حسون سنة 961 م
كما يتضمن الكتاب معلومات حول بعض العادات الاجتماعية و التقاليد منها على سبيل المثال:
- حلق الشعر للتوبة بالنسبة للمسلم أو غيره، حيث عندما يسلم الكافر يحلق شعره، يغسل في بعض طرفه، و يفارق جلاسه و ثيابه و أناسه و أنفاسه، و يصوم لكي يزول لحم الحرام و يخلفه الحلال
- ذكر بعض الألبسة المغربية المنتشرة مثل القلنسوة أو العمامة
- ذكر بعض الأطعمة المغربية المنتشرة مثل السمن و الخليع و الكسكس
و يحتوي الكتاب أيضا على أخبار و تواريخ حول بعض الكوارث الطبيعية التي عرفها المغرب مثل: زلزال 1033 هـ، و غلاء المعيشة في 1014 هـ، و وباء سنة 965 هـ.«الشيخ محمد المهدي الفاسي »
(1033هـ/1625م - 1109هـ/1698م)×
هو أبو عبد الله محمد المهدى بن أحمد، بن على بن أبي المحاسن، بن محمد بن أبي الحجاج يوسف.
وُلد بحومة القطانين آخر ليلة السبت السابع والعشرين من شهر رجب، عام 1033 هجرية (الموافق لشهر مايو 1625 م).
تنتسب الأسرة الفاسية إلى عُدي بن كعب بن لؤي بن فهر، و هم من ذريّة حافظ الأندلس أبي بكر محمد بن عبد الله بن أبي الجد. و قد كان مقرّ سلفهم بالأندلس في مدينة لبلة من أعمال شبيلية، ثم انتقلوا إلى مالقة و إشبيلية، وفي حدود سنة 880 هـ انتقلوا إلى مدينة فاس.
عاش في عصر كثر فيه رجال التصوف، و كذلك المدّعون للتصوف. كان من أهم شيوخه كل من: أبوه الذي أخذ عنه كثيراً من علمه، أبو العباس الزموي، الشيخ حمدون المزوار.
كان الشيخ محمد المهدي متضلعاً في علوم الشريعة و مباحث التصوّف، واسع العارضة في الحفظ و التحصيل لا يكاد بقاربه في ذلك أحد. و كان متجرداً دائماً للتدريس و التأليف، و قد تميّز بخاصة في علم الحديث، و علم التفسير، و علم الأنساب، و التاريخ. و من أشهر تلاميذه الآخذين منه: الطيب بن محمد الفاسي (تـ 1113 هـ و كان سفيراً للمولى إسماعيل عند الأتراك بالجزائر) و محمد بن زاكور (تـ 1120 هـ).
و كان مجتهداً في العبادة متجرداً من الدنيا، مكثراً من التلاوة و الأذكار. و قد اشتُهر عنه أنه لا يأكل إلا من عمل يده، و قد اشتغل في مهنة نسخ الكتب، و كان صاحب خط رائق جميل مميّز.
ترك الشيخ محمد المهدي عشرين مؤلفاً أهمها: شرح كبير لكتاب ''دلائل الخيرات''، كتاب "ممتع الأسماع في ذكر الجزولي و التباع و ما لهما من الأتباع"، كتاب ''الإلماح ببعض من لم يُذكر في ممتع الأسماع''، ''تحفة أهل الصديقية بأسانيد الطريقة الجزولية و الزروقية''، ''الجواهر الصفية من المحاسن اليوسفية''، ''داعي الطرب في أنساب العرب''، ''العقد المنضّد من جواهر سيدنا ومولانا محمد''، ''اللمعة الخطيرة في مسألة خلق أفعال العباد الأخيرة''، ''تحفة الناسك بالمهم من المناسك''، ''الدرة الغراء في وقف القراء''، ''معونة الناسك بالمهم من المناسك''، ''كفاية المحتاج من خبر صاحب التاج واللواء والمعراج''.
و توفي الشيخ محمد المهدي يوم السبت التاسع من شعبان عام 1109 هجرية (الموافق 20 فبراير 1698 م)، و دفن في ضريح جد أبيه يوسف الفاسي خارج باب الفتوح بمدينة فاس.«نزهة الناظر و بهجة الغصن الناضر»
أبو العباس أحمد بن عبد القادر التستاوتي (1045هـ-1127هـ)×
هذه النزهة لأبي العباس أحمد بن عبد القادر التستاوتي قام بجمعها تلميذه أحمد بن عاشر الحافي، وهي متضمنة للفوائد التي فتح الله بها على سيدي أحمد بن عبد القادر التستاوتي من محفوظات الأذكار و مراسلات و مكاتبات و أسئلة و أجوبة و مستملحات من الأشعار و ملحونات، منها ما كتبه لشيخه سيدي محمد ابن ناصر فأجابه عنها، وما كتبه لغيره، و كذا رسائله و أشعاره التي كتبها في سجنه.
«أحمد بن عبد القادر التستاوتي »
(1042؟،1045؟،1046؟-1127ﮪ/..16؟-1715م)×
الشيخ الأديب و الولي الصالح أحمد بن عبد القادر التستاوتي، بن عبد الوهاب بن موسى بن محمد بن مبارك الزعري الدار، التستاوي الحسني، عالم مغربي من أكبر علماء وقته، و شاعر صوفي من أشهر شعراء زمانه.
تاريخ ولادته محصور بين سنوات 1042-1045-1046هـ. قضى التستاوتي طفولته في "الرّحية"، وهي قريبة من "تستاوت" في وسط عائلي اشتهر بالصلاح و الولاية. ثم نزل بأرض زعير التي حل بها جده الشيخ محمد بن مبارك. فشرع خلال هذه الفترة بحفظ القرآن الكريم و بعض المتون، ثم انتقل بعد مدة إلي جبل "صرصر" قرب القصر الكبير لتحسين وضعيته المادية من جهة، و الابتعاد من جهة ثانية، عن الفتنة التي اندلعت بين أولاد الشيخ ابن مبارك".
ثم اضطر إلى العودة من جديد إلى زعير، ثم بعدها شد الرحال إلى الزاوية الدلائية التي كانت تعج بفطاحل العلماء، و قد تأثر كثيرا بهم لا سيما الحسن اليوسي. و يظهر ذلك في رسائل التستاوي لهذا الأخير...خاصة و أنه عايش علماء بارزين في شتى مجالات المعرفة.
أما سند المصافحة فأخذه عن سلسلة طويلة من العلماء و الشيوخ الكبار تبتدئ من الشيخ عبد الكريم الجريري و تمتد إلى أن تصل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم. قال أحمد في كتابه "نزهة الناظر": "...وصافحني أيضا سيدي محمد ابن ناصر الدرعي، و أجازني عن أشياخه الذين صافحوه إلى النبي عليه الصلاة و السلام، و أخذ عنه أحمد بن أبي عسرية"، كما له سند آخر في المصافحة عن سيدي عبد القادر الفاسي و أجازه، و قال له: "صافحتك بما صافحني به الأشياخ إلى أنس بن مالك".
أخذ فنون العلم و المعرفة عن فطاحلة الشيوخ و العلماء الكبار أمثال: عبد القادر الفاسي الذي قرأ عليه المعاني بفاس عام 1068ﮪ، و اجتمع في نفس السنة بالشيخ ميارة بجامع اللبارين، و قد أجازه الشيخ محمد بن ناصر الدرعي "مختصر خليل"، و "رسالة ابن أبي زيد" و "عقيدة الشيخ السنوسي"، إضافة "إلى "ألفية ابن مالك"، و "تنبيه ابن عباد" على "الحكم"، و بعض كتب الحديث و السيرة. لكن كان التفاته و اهتمامه و محبته موجه أكثر لشيخه محمد بن ناصر الدرعي الذي سلك به إلى سبل الحقيقة، مما جعل التستاوتي كما قال الأستاذ شهبون "يهتم بالتصوف معرفة و سلوكا حيث كان لانتمائه إلى الزاوية الناصرية أثر كبير على توجهاته الفكرية و النفسية مما أتاح له الإلمام بالطريقة المشيشية الشاذلية".
ترك أحمد تراثا فكريا ضخما منه: "عقد جوهر المعاني في مناقب الشيخ عبد القادر الجيلاني"، و نظم "رجال التشوف" للتادلي و شرحه، و نظم "رجال الممتع" و شرحه، و ديوانه الضخم: "نزهة الناظر" الذي يضم مادة تاريخية دسمة تهم مختلف مراحل حياة التستاوتي، و نظم "رجال القشيرية" و شرحه، و أسئلة فقهية لعلماء وقته، و تقاييد مفيدة تدل على تضلعه و اقتداره و شفوف مكانته و علو همته و تفوقه على أترابه.
توفي رحمة الله عليه ليلة الأربعاء فاتح رجب عام 1127ﮪ/3 يوليوز 1715م، و دفن قرب روضة الشيخ عبد الله بن مَحمد، خارج باب البرادعيين بمكناس.
«الذهب الإبريز في مناقب الشيخ عبد العزيز»
أحمد بن مبارك السجلماسي×
كتاب يشتمل على علوم شرعية و أنوار و أسرار، توارثها الشيخ سيدي عبد العزيز الدباغ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تلقى عنه هذه المعارف و العلوم و الأسرار تلميذه العلامة الحافظ الشيخ أحمد بن المبارك و دونها في هذا الكتاب الذي امتلأ بالفوائد و الأسرار و الشروح مما جعله ينال شهرة واسعة بين العلماء و القراء.
تناول أولاً لمعاً من حياة الشيخ سيدي عبد العزيز العرفانية في المعارج الربانية، فتحدث عن أولية أمره قبل ولادته، ثم انتقل إلى كيفية تدرجه إلى أن وقع له الفتح، مع ذكر العارفين الذين ورثهم في الشهادة و الغيبة. ثم ذكر بعض الكرامات الذي ظهرت على يد هذا الشيخ، و الأحاديث و الآيات القرآنية التي سئل عنها، و ما يتعلق بذلك من تفسير للغة السريانية. ثم ساق حديثاً في ذكر الظلام الذي يدخل على ذوات العباد و أعمالهم و هم لا يشعرون، و حديثاً في ذكر ديوان الصالحين، و حديثاً في ذكر التشايخ و الإرادة، و في ذكر شيخ التربية، و في تفسير الشيخ صاحب السيرة لبعض ما أشكل على السالكين من كلام الأشياخ، و في ذكر ما قاله في خلق آدم عليه السلام و تدريج أمره... ثم انتقل للحديث عن الفرق بين الفتح النوراني و الظلماني، و ما يتبع ذلك من تقسيم النوراني إلى فتح أهل الكمال. و من ثم تناول مسألة البرزخ و صفته و كيفية حلول الأرواح فيه، و الجنة و ترتيبها و عددها و ما يتعلق بذلك، و جهنم و بعض ما سمع من الشيخ صاحب السيرة في هذه المسائل.«أحمد بن مبارك السجلماسي اللمطي »
(1090هـ/1679م- 1156هـ/1743م)×
هو أبو العباس أحمد بن مبارك بن محمد بن علي بن مبارك السجلماسي اللمطي. فقيه مالكي، تتلمذ على الشيخ عبد العزيز الدباغ، و جمع كلامه في كتاب ''الذهب الإبريز في مناقب الشيخ عبد العزيز''.
و الشيخ سيدي عبد العزيز الدباغ قطب من أقطاب الصوفية، صاحب الإشارات العلية والعبارات السنية و الحقائق القدسية، و الأنوار المحمدية و الأسرار الربانية، منشئ معالم الطريقة، ذي النسبتين الطاهرتين الجسمية و الروحية، و السلالتين الطيبتين الشاهدية و الغيبية، المحمدي العلوي الحسني، قطب السالكين، و حامل لواء العارفين.
«جُنة المريد دون المَريد»
الشيخ محمد بن المختار الكنتي (تـ 1242هـ/1756-1826م)×
الكتاب يعتبر من نفائس التراث الصوفي و نموذجا للأدب الصوفي الجامع لموضوعات التصوف السني المانع لشطحات الإشراقيين و الحلوليين. و قد ألفه صاحبه بقصد إبراز معالم المنهج التربوي الصوفي السني، على مذهب السلف الصالح من الصوفية، كالإمام أبي القاسم الجنيد المتوفى سنة 297 هـ. و تتجلى أهمية الكتاب في تصحيح مجموعة من المفاهيم حول التصوف الأصيل، و في ما حوته مباحثه من معارف و فوائد هامة، في الحفاظ على جوهر التصوف النقي. و تشبه طريقة تصنيفه مصنفات أعلام المتصوفة الكبار كالغزالي في "إحياء علوم الدين" و القشيري في "رسالته" و ابن عطاء الله في "الحكم" و "لطائف المنن".
«الشيخ محمد بن المختار الكنتي »
(تـ 1242هـ/1756-1826م)×
الشيخ سيدي محمد الخليفة بن الشيخ سيدي المختار الكنتي من أعلام الصوفية في موريتانيا. هو محمد بن المختار ابن أحمد ابن أبي بكر بن محمد حبيب الله بن الوافي بن سيد اعمر الشيخ بن الشيخ سيد أحمد البكاي بن سيدي محمد الكنتي.
ولد الابن الخامس من أبناء الشيخ سيدي المختار الكبير حوالي 1756م، و اجتذب علمه و ورعه منذ صغره اهتمام والده الذي بلغت شهرته الآفاق. و استمر الشيخ سيدي محمد الخليفة في الزعامة الدينية القادرية خمس عشرة سنة كانت حافلة بالعطاء الفكري الزاخر و أجاد فيها بأعمال فكرية تلخص مختلف جوانب نشاطه الفكري الذي شمل مجمل علوم عصره التي لم يترك منها فنا واحدا إلا و ألف فيه و أبدع و أمتع بأسلوب أقرب ما يكون إلى أسلوب عبد القاهر الجرجاني أو الآمدي أو الجاحظ أو الغزالي.
له من التآليف و المصنفات ما يربو على الأربعين: من الفقه و علم الأصول و الكلام و أدب السياسة إلى التصوف و علم العروض و الشعر و علم الأنساب : "إرشاد السالك إلى أقوم المسالك" في الفقه، "ترجمان المقال و رافع الإشكال" و هو شرح نظم ورقات الجويني، و نظم ورقات أبي المعالي الجويني و اسمه "منهج الفعال" و كلاهما في علم الأصول، و "بهجة النفوس" في علم الكلام، و "أوثق عرى الاعتصام للأمراء و الوزراء و الحكام" في أدب السياسة، و "جنة المريد دون المريد" في التصوف. و له في هذا الفن كتب كثيرة أخرى نذكر منها: "الطرائف و التلائد في كرامات الوالدة و الوالد"، "السلم الأسنى إلى أسماء الله الحسنى"، "الدراري السارية في الأجوبة الخيرية"، "كتاب الإسراء"، "شرح المثلث خالي الوسط"، "شرح الورد القادري"، "العقد النظيم على أقوال العلماء في الاسم الأعظم"، "الفوائد النورانية و الفرائد السنية في شرح الاسم الأعظم"، "مفسر المقال لمضمر الحال"، "الإيجاب و السلب بجلاء مرآة القلب"، "منح القدوس في عبق ثمر أحمد الشموس". و له في علم العروض و الشعر: "الخاتمة على الأبيات و الألقاب و للأجزاء و الأعاريض و الأسباب". و له في علم الأنساب كتابه الشهير: "الرسالة الغلاوية". كما له كتب أخرى ذات طبيعة سجالية يرد فيها على خصومه في شتى المجالات نذكر منها: "الرسالة البارعة القاطعة لدابر سيء اعتقادات المعاند القارعة" و "علم اليقين و سنن المتقين بحسم الإتاوة في حق المستحقين" و "الصوارم الهندية بحسم دعاوى المهدية".
و كان الشيخ سيدي محمد الخليفة بارعا في كتابة النثر و الشعر في أدب الرسائل و شعر النقائض و كان شاعرا لا يبارى، و لا يخلو أي مؤلف من مؤلفاته من قصائد و مقطوعات شعرية.
يقول عنه صاحب "منح الرب الغفور في ذكر ما أهمل صاحب فتح الشكور" الطالب بوبكر بن أحمد المصطفى المحجوبي الولاتي: "كان رحمه الله تعالى من أولياء الله تعالى العارفين، و كان وليا عارفا بالله، كاملا تقيا عابدا ورعا زاهدا عالما فقيها، جمع بين الشريعة والحقيقة"، و يضيف: "جمع العلوم كلها فقها و حديثا و تفسيرا وغير ذلك".
توفي على إثر مرض ألمّ به، بسبب انتشار جائحة من الحمى يوم العاشر من ماي سنة 1242ھ/1826م، و دفن إلى جانب والده في بولانوار التي تقع جنوب المبروك.«الأمير عبد القادر الجزائري »
(1223-1300هـ/1808-1860م)×
الأمير عبد القادر هو عبد القادر بن محيي الدين بن مصطفى المعروف بـ عبد القادر الجزائري، صوفي ومحارب. اشتهر بمناهضته للاحتلال الفرنسي للجزائر. و هو من آل بيت رسول الله صلى الله عليه و سلم و ينتسب للأدارسة الذين حكموا المغرب في القرن التاسع.
ولد قرب مدينة معسكر بالغرب الجزائري يوم الثلاثاء 6 سبتمبر 1808 الموافق لـ 15 رجب 1223 هـ بقرية القيطنة بولاية معسكر.
كان عبد القادر الابن الثالث لسيدي محي الدين شيخ الطريقة الصوفية القادرية و مؤلف كتاب "إرشاد المريدين" الموجه للمبتدئين، و أمه الزهرة بنت الشيخ سيدي بودومة شيخ زاوية حمام بوحجر، و كانت سيدة مثقفة.
كان تعليمه الديني صوفياً، أجاد القراءة و الكتابة و هو في سن الخامسة، كما نال الإجازة في تفسير القرآن و الحديث النبوي و هو في الثانية عشرة من عمره، ليحمل سنتين بعد ذلك لقب حافظ، و بدأ بإلقاء الدروس في الجامع التابع لأسرته في مختلف المواد الفقهية.
شجعه والده على الفروسية و ركوب الخيل و مقارعة الأنداد و المشاركة في المسابقات التي تقام آنذاك فأظهر تفوقا مدهشا. و بعثه والده إلى وهران لطلب العلم من علمائها ما يقرب من السنتين (1237-1239 هـ) (1821-1823 م)، فحضر دروس الشيخ أحمد بن الخوجة في الفقه كما طالع كتب الفلاسفة و تعلم الحساب و الجغرافيا على يد الشيخ أحمد بن الطاهر البطيوي قاضي أرزيو.
بعد عودته إلى بلدة القيطنة، و كان قد بلغ الخامسة عشر، بادر والده إلى تزويجه و اختار ابنة عمه لالة خيرة زوجة له فهي تجمع بين محاسن الخلق و النسب الشريف.
كان محي الدين بالإضافة لكونه شيخ الطريقة القادرية ذو مكانة رفيعة بين عامة الناس و من كبار أعيانهم، و قد دفعت آرائه بالحاكم العثماني لوهران إلى تحديد إقامته ببيته. و أذن لمحي الدين بالخروج لفريضة الحج عام 1241 هـ/ 1825م، فخرج و اصطحب ابنه عبد القادر معه وهو في سن الثامنة عشرة، فكانت رحلة عبد القادر إلى تونس ثم مصر ثم الحجاز ثم البلاد الشامية ثم بغداد، ثم العودة إلى الحجاز، ثم العودة إلى الجزائر مارًا بمصر وبرقة وطرابلس ثم تونس، وأخيرًا إلى الجزائر من جديد عام 1828 م.
خلال هذه الرحلة درس عبد القادر الفلسفة (رسائل إخوان الصفا - أرسطوطاليس - فيثاغورس) و درس الفقه و الحديث، فدرس صحيح البخاري و صحيح مسلم، و قام بتدريسهما، كما تلقى الألفية في النحو و السنوسية و العقائد النسفية في التوحيد، و ايساغوجي في المنطق، والإتقان في علوم القرآن.
ولم يمض وقت طويل حتى تعرضت الجزائر لحملة عسكرية فرنسية شرسة، و تمكنت فرنسا من احتلال العاصمة فعلاً في 5 يوليو 1830م، و استسلم الحاكم العثماني الداي حسين. و بحث أهالي وعلماء غريس عن زعيم يأخذ اللواء ويبايعونه على الجهاد تحت قيادته، واستقر الرأي على "محيي الدين الحسني" وعرضوا عليه الأمر، ولكن الرجل اعتذر عن الإمارة وقبل قيادة الجهاد، و اقترح محي الدين إبنه عبد القادر لهذا المنصب وجمع الناس لبيعته تحت شجرة الدردار. و لقبه والده بـ ناصر الدين واقترحوا عليه أن يكون سلطان ولكنه اختار لقب الأمير وكان ذلك في 3 رجب 1248 هـ الموافق 27 نوفمبر 1832 م وهو ابن اربعة وعشرون سنة.
لما ذاع خبر البيعة الأولى بادر أعيان و وجهاء و رؤساء القبائل التي لم تبايع إلى المبايعة فتمت في مسجد بمعسكر يسمى حاليا بـ مسجد سيدي الحسان حيث حررت وثيقة أخرى للبيعة في الرابع من فبراير سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة.
عمل عبد القادر على تنظيم المُجاهدين، وإعداد الأهالي وتحفيزهم لمقاومة الاستعمار، حتى استقر له الأمر وقويت شوكته فألحق بالفرنسيين الهزيمة تلو الأخرى، مما اضطر فرنسا إلى أن توقع معه معاهدة (دي ميشيل) في فبراير 1834 م، معترفة بسلطته غرب الجزائر. و قد نجح الأمير في تأمين بلاده إلى الدرجة التي عبر عنها مؤرخ فرنسي بقوله: "يستطيع الطفل أن يطوف ملكه منفردًا، على رأسه تاج من ذهب، دون أن يصيبه أذى!!". لكن السلطات الفرنسية لم تلتزم بتلك المعاهدة، الأمر الذي اضطره إلى الاصطدام بهم مرة أخرى، فعادت فرنسا إلى المفاوضات، وعقدت معه معاهدة (تافنة) في مايو 1837 م، مما أتاح لعبد القادر الفرصة لتقوية منطقة نفوذه، وتحصين المدن وتنظيم القوات، وبث الروح الوطنية في الأهالي، والقضاء على الخونة والمتعاونين مع الاستعمار.
لكن سرعان ما خرق الفرنسيين المعاهدة من جديد، فاشتبك معهم عبد القادر ورجاله أواخر عام 1839 م، فدفعت فرنسا بالقائد الفرنسي (بيجو) لتولي الأمور في الجزائر، فعمل على السيطرة على الوضع بإتباع سياسة الأرض المحروقة، فدمر المدن وأحرق المحاصيل وأهلك الدواب، إلا أن الأمير ورفاقه استطاعوا الصمود أمام تلك الحملة الشعواء، مُحققين عدة انتصارات، مستعينين في ذلك بالمساعدات والإمدادات المغربية لهم.
و يضطر الأمير إلى اللجوء إلى بلاد المغرب الأقصى، ويهدد الفرنسيون السلطان المغربي، ولم يستجب السلطان لتهديدهم في أول الأمر، وساند الأمير في حركته من أجل استرداد وطنه. لذا عملت فرنسا على تحييد المغرب وإخراجه من حلبة الصراع، فضربت طنجة و موغادور بالقنابل من البحر. و تحت وطأة الهجوم الفرنسي يضطر السلطان المولى عبد الرحمن إلى توقيع معاهدة لالة مغنية تعهد فيها بعدم مساعدة الجزائريين، و طرد الأمير من المغرب الأقصى.
كان لتحييد المغرب و وقف مساعداته للمجاهدين الجزائريين دور كبير في إضعاف قوات الأمير عبد القادر، الأمر الذي حد من حركة قواته، و رجح كفة القوات الفرنسية، فلما نفد ما لدى الأمير من إمكانيات لم يبق أمامه سوى الاستسلام يوم 23 ديسمبر 1847م حيث اقتيد عبد القادر إلى أحد السجون بفرنسا.
ظل الأمير عبد القادر في سجون فرنسا يعاني من الإهانة والتضييق حتى عام 1852م، ثم استدعاه نابليون الثالث بعد توليه الحكم و أكرم نزله، و أقام له المآدب الفاخرة ليقابل وزراء و وجهاء فرنسا، و تناول الأمير كافة الشؤون السياسية و العسكرية و العلمية مما أثار إعجاب الجميع بذكائه و خبرته، ودُعي الأمير لكي يتخذ من فرنسا وطنًا ثانيًا له، و لكنه رفض. و أفرج عنه شريطة ألا يعود إلى الجزائر، فرحل إلى الشرق براتب من الحكومة الفرنسية، فسافر إلى تركيا و منها إلى دمشق عام 1855 م.
و كانت شهرته قد سبقته إلى دمشق، فأخذ مكانته بين العلماء حيث أسس ما عرف برباط المغاربة في حي السويقة، و هو حي ما زال موجوداً إلي اليوم. و سرعان ما أصبح ذا مكانة بين علماء و وجهاء الشام، فقام بالتدريس في المدرسة الأشرفية، ثم الجامع الأموي، الذي كان أكبر مدرسة دينية في دمشق آنذاك، كما قام بالتدريس قبل ذلك في المدرسة الأشرفية، و في المدرسة الحقيقية.
سافر الأمير للحج ثم عاد ليتفرغ للعبادة و العلم و الأعمال الخيرية. و بعد أربعة أعوام من استقراره في دمشق، تحركت شرارة فتنة طائفية دامية بين الدروز و المسيحيين في منطقة الشام عام 1276 هـ/1860م، فكان للأمير دور فعال في حماية أكثر من 15 ألف من المسيحيين، إذ استضاف في منازله اللاجئين منهم في دمشق كخطوة رمزية و عملية على احتضانهم، و هي مأثرة لا تزال تذكر له إلى اليوم إلى جانب كفاحه ضد الاستعمار الفرنسي في بلاده الجزائر
استقر الأمير عبد القادر الجزائري في دمشق 27 سنة، من عام 1856 إلى أن وافاه الأجل في منتصف ليلة 19 رجب 1300 هـ/23 مايو 1883م، عن عمر يناهز 76 عاما. و دفن بجوار الشيخ ابن عربي بالصالحية بدمشق لوصية تركها. و بعد استقلال الجزائر نقل جثمانه إلى الجزائر عام 1965م ودفن في مقبرة العالية في مربع الشهداء الذي لا يدفن فيه إلا الشخصيات الوطنية الكبيرة كالرؤساء.