في بيان وجه تسمية هذه الطريقة السنية
بالأحمدية و المحمدية و الإبراهيمية الحنيفية
اعلم، أمدَّنا الله و إياك بأنوارِ اليقين و سَلَكَ بنا و بك مسالكَ الذين يؤمنون بالغيب من عبادِه المتقين، أن لهذه الطريقة الشريفة بينَ الطرقِ مكانةً عاليةً و مرتبة قصوى سامية، و ذلك لما امتازَ به أهلُها من الإنتماء الحقيقي إلى إمام حضرة الأنبياء، و سلطان مملكة الأصفياء، إذ لا أستاذَ لها إلا أستاذ الأساتيذ كلهم على الإطلاق، و إمام الكلِّ و مُمِدُّ الكل و سيد الكلِّ بالإطلاق، و على آله و صحبه الكرام البررة السباق.
و لما تضمَّنه هذا المطلبُ من التحقُّق بوجْهِ هذا الإنتماء الفاخر، و السبب في هذا الإنتساب الأخصّ الباهر، جعلناه كالفصِّ لخاتم هذه المقدمة، و الخاتمة لمقاصدها المهمة، رجاءَ أن يختمَ الله لنا بالتحقُّق بهذه النسبة الشريفة و الإلتحاق بدرجة هذه الإضافة السامية المنيفة.
فنقول متبرِّئين من القوة و الحول، مستندين إلى فضل مَنْ له المنة و الطول،
أما تسميتها بالأحمدية، كما عليه إطلاقاتُ جميع أصحاب الشيخ ، فمن وجوه:(أولها) و هو الظاهر المتبادَرُ لكلِّ أحد: إنما سميت بذلك نسبةً إلى اسم صاحبها، لأن اسمه أحمد.
(الوجه الثاني): أنها إنما سميت بذلك لكونها طريقةَ شكرٍ
(الوجه الثالث) : كونُ أذكارِها الدائرة عليها مشتملةً كلُّها على أبلغ المحامد، إما تصريحاً أو ضمناً،
(الوجه الرابع) : كونُ صاحبها هو الخاتم الأكبر،
و أما تسميتُها بـ «المحمدية»، و قد قدمنا أنها من إطلاقاتِ سيدنا عليها، فهي متعددة أيضاً:
(أولها) كون الطريقة المحمدية بالوجه الذي تقرَّر في المطلب قبل هذا من جملة الطرق التي اشتملتْ عليها،
(الوجه الثاني) أنه أضافَ جميع الفقراء المتمسِّكين بهذا العهد المواظبين على هذا الورد إلى سيادته السنية و مكانته العلية، إضافةً خاصة تؤذن بشرف منزلتهم و شفوف مرتبتهم عند الله تعالى،
(الوجه الثالث) أنه هو الضامنُ لجميع ما بشَّر به أهلها من الشيخ
(الوجه الرابع) أن لأهل هذه الطريقة علامةً يتميَّزون بها عن غيرِهم، و يعرف بها أن رسول الله هو صاحبها بوجْهٍ خاص،
(الوجه الخامس) أن هذه الطريق أشبهت الملة المحمدية في كونها آخرَ المِلَلِ، و ذلك لأنها آخرُ الطرق،
(الوجه السادس) أن هذه الطريقة تدخلُ على سائرِ الطرق فتطلبها،
(الوجه السابع) أن من ترك ورداً من أوراد المشايخ لأجْلِ الدخول في هذه الطريقة المحمدية آمنه الله في الدنيا و الآخرة،
(الوجه الثامن) أن الطرقَ كلَّها في آخر الزمان تصيرُ إلى هذه الطريقة المحمدية،
(الوجه التاسع) أنه يغار لأهلها غيرةً خاصةً،
(الوجه العاشر)
(الوجه الحادي عشر)
و في هذا القدر الذي ذكرناه من وجوه تسمية هذه الطريقة بـ «المحمدية» كفاية في بساط التذكير ببعض ما اختصَّت به هذه الطريقة السنية من أسرارِ هذه النسبة العلية.
و أما تسميتُها «بالإبراهيمية الحنيفية» فمن وجوه:
(الأول) أنها لا تكون محمديةً بالوجْهِ الأخصِّ إلا إذا كانت إبراهيميةً حنيفية
(الوجه الثاني) أنها ناشئةٌ عن الدائرة الفضلية التي منها اتَّخذ الله إبراهيم خليلاً في الأزل،
(الوجه الثالث) أنها طريقة شكر كما تقدم،
(الوجه الرابع) أن الله تعالى جَعَلها بمحْضِ فضله و كرمه معلم الخيرِ في هذا الزمان
(الوجه الخامس) أن من أركان هذا الطريق إسلامَ الوجْهِ إلى الله تعالى
(الوجه السادس) أن هذه الطريقة لما كانت طريقَ اجتباء سهلة لا حرَجَ فيها و لا مشقَّة و لا ضيق
(الوجه السابع) أن من شأن السالكين على هذه الطريقة أن يغلبَ على أحوالهم كثرةُ الحلم و الصبر
(الوجه الثامن) من فضائل هذه الطريق أن من دَخَلها و أسلم قياده إلى صاحبها بطريق المحبة الخاصة و كمال التصديق كان من الآمنين عند الله تعالى في الدنيا و الآخرة،
(الوجه التاسع)
(الوجه العاشر) أن مدارَ دلالة صاحب هذه الطريقة على تعلُّق القلب بالله تعالى و على ما يوصِلُ إلى ذلك،
و وراء هذه الوجوه، التي ذكرناها لهذه النسبة الجليلة القدر و الإضافة السنية الفخر، ما لا يسعنا الآن شرْحُه و استيفاؤه، و لا يمكننا في هذه العجالة بسْطُه و استِقْصاؤه على أن هذا التقييدَ ليس موضوعاً لذلك. كما أن مقيده ليس أهلاً لخوض هاتيك المسالك.
و ليكنْ هذا آخرَ ما قصدنا إيداعَه في هذه المقدمة، و أردْنا إيرادَه في مطالبها المهمة.
و لنشرعْ فيما نحن بصدده من الكلام على هذه المنظومة المباركة بحُسْنِ عون الله تعالى و توفيقه الجميل، و هو سبحانه حسبنا و نعم الوكيل، فنقول: قال الناظمُ رحمه الله تعالى و رضي عنه:
تسميتها بالأحمدية : أولها
أولها و هو الظاهر المتبادَرُ لكلِّ أحد:ِ إنما سميت بذلك نسبةً إلى اسم صاحبها، لأن اسمه أحمد. وهو إمامُها المتلقِّي لها من حضرةِ سيد الوجود من دون وساطة شيخٍ آخر، فلا إشكالَ عليه في تسميتها بالأحمدية. ×
تسميتها بالأحمدية : الوجه الثاني
تسميتها بالأحمدية من وجوه:
الوجه الثاني: أنها إنما سميت بذلك لكونها طريقةَ شكرٍ كما تقدَّمت الإشارة إليه، فلكون القطب الذي عليه مدارها هو الحمد بالوجْهِ الأبلغ، سميت أحمديةً، و هو ظاهر.×
تسميتها بالأحمدية : الوجه الثالث
تسميتها بالأحمدية من وجوه:
الوجه الثالث: كونُ أذكارِها الدائرة عليها مشتملةً كلُّها على أبلغ المحامد،
إما تصريحاً أو ضمناً،-
فمن ذلك أم القرآن، و لا شكّ أنها مشتملة من أسرار المحامد على ما يقصرُ عنه اللسان،-
و من ذلك سورة القدر، و محل ذلك منها عنده قوله تعالى] لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرَ مِّنْ أَلْفِ شَهْرِ[ (القدر: 3) [سَلاَمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْر(1)] (القدر: 5)-
و من ذلك صلاة الفاتح لما أغلقَ، و لا شك أنها متضمّنة للإعتراف بإنعام الله علينا بهذا النبي الفاتح الخاتم الناصر الحق بالحق، الهادي إلى الصراط المستقيم، المخصوص عند الله تعالى بالقدر العظيم، و المقدار المفخم الجسيم عليه و على آله من الله أفضل الصلاة و أزكى التسليم.-
و من ذلك جوهرة الكمال، و محال ذلك منها: [البرق الأسطع بمزْنِ الأرياح المالئة... [ الخ،-
و كذلك دعاء ]يا من أظهر الجميل وستر القبيح... [ الخ-
و أما ما تضمنه دعاء السيفي من ذلك مما لا يحتاج إلى بيان. فلكون أذكارها المتداولة بين أصحابها دائرة على أبلغ الحمد صريحاً أو ضمناً، سميت أحمدية.
تسميتها بالأحمدية : الوجه الرابع
تسميتها بالأحمدية من وجوه:
الوجه الرابع : كونُ صاحبها هو الخاتم الأكبر، المخصوص بوراثة السرِّ الأبهر، كما أشارَ إليه الشيخ محيي الدين t في حديث «كُنْتُ نَبِياً و آدمُ بَيْنَ الماءِ والطِّين»(1) بقوله: "أي كنت نبياً بالفعل، عالماً بنبوَّتي و آدم بين الماء و الطين". قال: "و غيره لم يكن نبياً بالفعل و لا عالماً بنبوته إلا عند بعثتِه"، ثم قال: "و كذا خاتمُ الأولياءِ كان ولياً بالفعل عالماً بولايته في ذلك العالم، و غيره من الأولياء ما كان ولياً بالفعل و لا عالماً بولايته إلا بعد تحصيله ما يشترطُ في الإتِّصاف بالولاية من الأخلاق التي يتوقَّف الإتِّصافُ بالولاية عليها من كون الله تعالى تسمَّى بالولي الحميد" اهـ.
فعرف من هنا أن خاتم الأولياء قد سبق في حمد الله تعالى كل حامد من الأولياء، فما حَمِدَه أحدٌ من الأولياء مثلَ ما حَمِدَه خاتمُ الأولياء، فيتحقَّق فيه ما لم يتحقق في غيرِه من الاتصاف بالحمْدِ على جهة الأبلغية، فصحَّ اتِّصافُ طريقِه بالأحمدية.
و ههنا وجوهٌ أُخَر اقتضى النظر فيها أنها مما لا ينبغي أن يسطر لأن مدارَ الكلام فيها على تعقل معنى الحقيقة الكتمية و ذلك مما لا سبيل لنا إلى الوقوف منه على جلية القضية.
على أن في هذه الوجوه التي ذكرناها غايةَ الكفاية للمريد الصادق فيما يتمسَّكُ به مما يحرك همَّته إلى التوجُّه لحضرة الخالق، و الإقبال عليه سبحانه بمَحْو العلائق و العوائق، فيستعدَّ لتلقي أنوار المعارف و الحقائق و تنكشف له الأستار عن مخبآت تلك اللطائف و الدقائق، و حَسْبه ذلك مما تنتجُه له مطالعتها و تفيده إياه مراجعتها، و بالله التوفيق.
تسميتها بالمحمدية: الوجه الأول
وأما تسميتُها بـ «المحمدية» فهي متعددة أيضاً:
(
أولها) كون الطريقة المحمدية بالوجه الذي تقرَّر في المطلب قبل هذا من جملة الطرق التي اشتملتْ عليها، و هي الطريقةُ الثانية من الطرق الثلاث التي انتقاها صاحبُ كتاب "ميزاب الرحمة الربانية" من كتاب "جواهر المعاني" و جعل مدارَ السلوكِ في هذه الطريقة عليها. و قد أجاد و أفادَ رحمه الله تعالى في بيان كيفية السلوك عليها و التربية بها، فلينظر ذلك فيه.و قد تقدم ما للشيخ حسن العجمي في ذلك من أن صاحبها بعد تصحيح بدايته و سلوكه على منهج الإستقامة المبين في الكتاب و السنة يشتغلُ بالصلاة على النبي إلى أن تستولي محبَّتُه على قلبه و يصيرَ ثمثالُه بين عيني بصيرته، فيسبغَ الله عليه نعمَه ظاهرةً و باطنة، و لا يجعل لمخلوقٍ عليه منةً إلا النبي ، فيراه يقظةً و مناماً، و يسأله عما يريد. كما تقدَّم أيضاً قول الشيخ محمد الخلوتي لمن سأله عن طريقه، و لمن ينتسب: "لا أنتسب لأحدٍ"، ثم ذكر عن نفسه أنه محافظٌ على استحضارِ صورته في باطنه، فأغناه ذلك عن التقيُّد بشيخٍ و الإستمداد منه" اهـ.
و ذكر الشعراني في "الأنوار القدسية" عن الشيخ أحمد الزواوي أنه كان يقول: "طريقنا أن نكثر من الصلاة عليه حتى نصيرَ من جلسائِه و نصْحَبَه يقظةً مثل أصحابه، و نسألَه عن أمورِ ديننا و عن الأحاديثِ التي ضعَّفَها الحفاظ عندنا، و نعملُ بقوله فيها" اهـ إلى غير ذلك من العبارات المشيرةِ إلى كيفية السلوكِ على الطريق المحمدية.
و حاصلُ ذلك كلِّه أن القطبَ الذي يدورُ عليه السلوك في الطريقة المحمدية عندنا هو الإكثارُ من الصلاة و التسليم على رسول الله مع كون الذاكر على أحسنِ الحالات و أكملها، باستحضارِ معاني الذكر و الإنصات إليه بقدر الإستطاعة، و كذا استحضار صورته الكريمة في باطنه و اعتقاد أنه جالسٌ بين يَدَيْهِ يستمدُّ منه. فإن قدر على استحضارِ صورته الذاتية الواردة في الأحاديث المروية عنه ، فذلكَ أكملُ و أبلغُ. و إن لم يقدر فليستحضرْ أنه جالسٌ بين يدي صورة نورانية عليها ثيابٌ من نورٍ في غاية ما يكونُ من الجلالِ و الجمال و نعوتِ الكمال. يداوم على ذلك حتى يشرقَ في قلبه نورُ الصلاة عليه و تصير تنطبعُ الصورة الكريمة في ذهنه كلما تأمَّل في ذلك و تفكَّر فيه. و هذه أضعفُ مراتبِ الإنطباع. ثم ينتقلُ منه إلى انطباع صورته الكريمة في عيني بصيرته وقتَ الصلاة عليه . ثم ينتقل منه إلى انطباع الصورة الكريمة في عيني قلبه، كلما مدَّ عينيه نوماً أو يقظة. و من هذه الحالة ينتقل إلى حالة رؤيته يقظةً كفاحاً، و أهلُ هذه الحالة على قسمين: منهم من يرى في اليقظةِ روحَه الشريفةَ متشكّلةً بصورتِه الشريفة، و منهم من يرى حقيقة ذاتِه الشريفة و كأنه معه في حياته . و هؤلاء هم أهلُ المقامِ الأعلى في رؤيته
. هذا ملخَّص ما للمشايخ في تحقيق معنى الطريقة المحمدية بالوجْهِ الخاص.
فالطرقُ و إن كانت كلها محمديةً بالوجه العام فقد اختصَّت عنها هذه الطريقة بهذه المزيَّةِ العظيمة و الخصوصية الجسيمة التي من أجلها اختصت بحيازة هذه النسبة الشريفة و الحلية السنية و الرتبة المنيفة. ثم اختصَّت طريقتُنا هذه «الأحمدية» في هذه الطريقة «المحمدية» بمزيد كرامة و تفضيل و تخصيص لها من الملك الجليل، و ذلك بكون الصلاة على النبي فيها بالياقوته الفريدة، و هي صلاة الفاتحِ لما أغلق و الخاتم لما سبق التي لا يأتي الحصر على ما خصَّها الله تعالى به من المزايا الفاخرة و الأسرار الباهرة و الفضائل العديدة. و ذلك كما أوضحَهُ صاحبُ "ميزاب الرحمة الربانية" لما اشتملتْ عليه مما لم يشتملُ عليه غيرُها من أسرار السير و السلوك في المقامات العرفانية.
قال: "فالتقرُّب إلى الله تعالى بهذه الصلاة سير في مقامات الدين الثلاثة، إذ المقامات مشتملةٌ على مواقفَ مغلقة الأبواب، و أولها باب المتاب إلى آخر ما بعده من الأبواب. فالغلق شاملٌ لجميعها اشتمالَ باب واحد، و الفتح مطلوب في كلها لكلِّ قائم و قاعد، و الختم محتاج إليه في كافة عوارضها المعتادة. و أن في الختم معنىً للزيادة و غلقاً بين المريد و بين موانع جادَّةِ الإفادة، و أن في النصر لَعُدَّةً لما يكون من الأعداء المذهلة و الآفات المعضلة من الآمال الخالية و اللوائح الكاذبة. و لقد كان المريدُ للهداية عندَ تلاطُم أمواج بحار حقائق الأسرار و للتوفيق لقطْع مهامِهِ تلك الأخطار، و الاهتداء إلى الحضرة و ما لها من الأنوار، في غاية الإحتياج و الإضطرار. فكان الألْيَقُ بالمريدِ أن يتعلَّق بهذه الصلاة ما بين كافة الصلوات على نبيه الكريم، إذ ما كل صلاة تفي بما تفي هي به في ظلمة الليل الأليل البهيم" اهـ.
و انظر الطريقةَ الثالثة له من هذا الكتاب تستفِدْ مزيدَ بيانٍ و تقف من أسرار هذه الصلاة على ما يفي بشرحه التبيان، على ما أن اشتملَ عليه بالنسبة إلى ما لم يذكر إنما هو قلٌّ من كثرٍ ونقطة من بحر. و سنلِمُّ بالنذر(1) عن ذلك عند تعرُّض النظم لذكرها و الإشارة إلى شيء من مكنون سرها إن شاء الله تعالى. و إنما مرادنا الآن أن نشيرَ إلى ما يؤذن ببعض ما امتازت به هذه الطريقةُ عن غيرها بالوجْهِ الخاصِّ، ثم بالوجْهِ الأخصِّ، لتعلَم من ظهورها ما لها من الخصوصية في ذلك، و المزية وجه تسميتها بالمحمدية.
تسميتها بالمحمدية: الوجه الثاني
و أما تسميتُها بـ «المحمدية» فهي متعددة أيضاً:
(
الوجه الثاني) أنه أضافَ جميع الفقراء المتمسِّكين بهذا العهد المواظبين على هذا الورد إلى سيادته السنية و مكانته العلية، إضافةً خاصة تؤذن بشرف منزلتهم و شفوف مرتبتهم عند الله تعالى، و ذلك أنه قال لسيدنا يقظةً لا مناماً: "فقراؤُكَ فُقَرائي و تلامِذك تلامذي"، حسبما صحَّ بالإخبارِ به عنه من غير واحدٍ من أعيان أصحابه، فكان كلُّ من أخذ هذا الورد عن الشيخ أو عمن عنده الإذن فيه حائزاً لهذه الإضافة الشريفة و النسبة المنيفة، سواء كان مما سلك على الطريقة الثالثة من طرف "الميزاب"، أو على غيرِها من شعب هذه الطريقة الأحمدية، فوجب تخصيصُها باسم «المحمدية».تسميتها بالمحمدية: الوجه الثالث
و أما تسميتُها بـ «المحمدية» فهي متعددة أيضاً:
(الوجه الثالث) أنه هو الضامنُ لجميع ما بشَّر به أهلها من الشيخ عن أعظم الوسائل من باهر الكرامات وسني الفضائل، كما أنه هو القائمُ مُقامَه معهم لدى كل خطب هائل، كحضوره موتَ من مات منهم على تباعُدِ أوطانهم و تبايُنِ بلدانهم و اختلاف ألسنتهم و ألوانهم. و جدير لطريقٍ امتازَ أهلُها بهذه المزية أن تُخَصَّ بالتشريف بالإضافة المحمدية. ×تسميتها بالمحمدية: الوجه الرابع
و أما تسميتُها بـ «المحمدية» فهي متعددة أيضاً:
(الوجه الرابع) أن لأهل هذه الطريقة علامةً يتميَّزون بها عن غيرِهم، و يعرف بها أن رسول الله هو صاحبها بوجْهٍ خاص، و هي كما قاله حواري(1) هذه الطريق المشهود له في معرفة أسرارها بالتبريز و التحقيق: "إن كلَّ واحدٍ من أهلها مكتوبٌ بين عينَيْهِ بطابعِ النبيِّ «محمد رسول الله» ، و على قلبه مما يلي ظهرَه «محمد بن عبد الله»، و على رأسه تاجٌ من نور مكتوبٌ فيه: «الطريقة التجانية منشؤها الحقيقة المحمدية»" اهـ كلامه فيما وقفنا عليه من بعض مؤلفاته.
و يؤيده ما تواتَرَ بين الأصحاب عن جماعةٍ من أرباب الأحوال أنهم صرَّحوا لبعض أهلِ هذه الطريق بأنهم رأوا طابعَ النبيِّ
بين عينيه. و قد رأينا بعضَ الأصحاب إذا رأى أحداً من أهل هذه الطريق عرَفَه و قطع له بأنه من أهلها و لم يكنْ رآه قبل ذلك، و لا يبعدُ أن يكون كشف له الغطاء عن هذا الطابع الأزهر و السرّ الأبهر. و معلوم أن مثل هذا إنما يراه من كشف الله له عن بعض أسراره الغيبية و أيَّده بأنوارِه الوهبية، فلا مجالَ فيه للأفكارِ إذ لا نفَاق لبضاعة العقلِ في هذا المضمار. و هو من جائز الكرامات التي يتحفُ الله بها من شاء من عباده المؤمنين الأخيار، و يختصُّ بها مَنْ أراد مِنْ أوليائه المكرمين الأبرار، فسلِّم تسلم.
و كُــنْ صادِقاً فـي حُبِّهِمْ و مُصَدِّقاً |
|
بأحْــوَالِهِــمْ و احْــذَرْ مـخالَفَــةَ الشَّــمْــسِ |
تسميتها بالمحمدية: الوجه الخامس
و أما تسميتُها بـ «المحمدية» فهي متعددة أيضاً:
(الوجه الخامس) أن هذه الطريق أشبهت الملة المحمدية في كونها آخرَ المِلَلِ، و ذلك لأنها آخرُ الطرق، فلا يأتي أحدٌ بعدها بطريق جديدة لأن سائرَ الطرق تدخلُ في طريقة الشاذلي كما تقدم عن الشيخ إلا هذه الطريقة الأحمدية، و لذلك سميت المحمدية.
تسميتها بالمحمدية: الوجه السادس
و أما تسميتُها بـ «المحمدية» فهي متعددة أيضاً:
(الوجه السادس) أن هذه الطريقة تدخلُ على سائرِ الطرق فتطلبها، و طابعها ينزلُ على كل طابع و لا ينزلُ عليه طابع، كما أن شرعَ سيدنا محمد كذلك يدخل على جميع الشرائعِ و لا يدخلُ عليه غيره، فلما أشبهت الشريعة المحمدية من هذه الحيثية قيل لها: المحمدية.تسميتها بالمحمدية: الوجه السابع
و أما تسميتُها بـ «المحمدية» فهي متعددة أيضاً:
(الوجه السابع) أن من ترك ورداً من أوراد المشايخ لأجْلِ الدخول في هذه الطريقة المحمدية آمنه الله في الدنيا و الآخرة، و لا يخافُ من شيء يصيبُه، لا من الله و لا من رسوله و لا من شيخه أياً كان من الأحياء أو من الأموات، و أن من دَخَلها و تأخَّر عنها و دخلَ غيرها تحلُّ المصائبُ به دنيا و أخرى، كما أن شرْعَ رسول الله كذلك، فمن أجلِ هذه الخصوصية قيل لها: المحمدية.تسميتها بالمحمدية: الوجه الثامن
و أما تسميتُها بـ «المحمدية» فهي متعددة أيضاً:
(الوجه الثامن) أن الطرقَ كلَّها في آخر الزمان تصيرُ إلى هذه الطريقة المحمدية، و ذلك عندما تصيرُ الطرقُ طريقاً واحداً، المذاهبُ مذهباً واحداً على ما أخبر به أهلُ الكشف رضوان الله عليهم، فأشبهت أيضاً الشريعة المحمدية من هذه الحيثية، فقيل لها: المحمدية.تسميتها بالمحمدية: الوجه التاسع
و أما تسميتُها بـ «المحمدية» فهي متعددة أيضاً:
(الوجه التاسع) أنه يغار لأهلها غيرةً خاصةً، و أنه يؤذيه ما يؤذيهم حسبما أخبر به الشيخ ، و سيأتي بلفظه في محله من الكلام على أبيات النظم إن شاء الله تعالى، فمن أجل اختصاصهم بهذه الغيرة المصطفوية صحَّت لهم النسبة المحمدية.تسميتها بالمحمدية: الوجه العاشر
و أما تسميتُها بـ «المحمدية» فهي متعددة أيضاً:
(الوجه العاشر) أن هذا الشيخ الأكبر لما كان هو الختم المحمدي الأشهري الحائز لكل ما للأولياء من الكرامات الإختصاصية، كما أن رسول الله الحائز لجميع ما للأنبياء و الرسل من الكمالات الإلهية، سميت طريقة المحمدية.تسميتها بالمحمدية: الوجه الحادي عشر
و أما تسميتُها بـ «المحمدية» فهي متعددة أيضاً:
(الوجه الحادي عشر) أن الله تعالى بمحْضِ فضله العميم تفضَّل على أهل طريق هذا الشيخ العظيم، بأن جعلَ سبحانه و تعالى نسبة تضعيف حسناتهم بالنسبة إلى تضعيف حسنات غيرهم من أهل الطرق كنسبة تضعيف ثواب حسنات هذه الأمة إلى تضعيف ثواب حسنات غيرها من سائر الأمم، وراثة محمدية حبيبة مصطفوية. و لهذا كان من أذكارها ما تكون المرة منه تعدل عبادةَ سائر العارفين، و منها ما تكون المرة منه تعدلُ تسبيح العالم ثلاثَ مراتٍ إلى غير ذلك مما يبهر العقول و يعجز عن إدراك كنه حقيقته الفحول.
قال صاحبُ "الرماح": "و لا ينكر هذا إلا من ينكر وجودَ الأذكار الجامعة و أسرارها، و من أنكر ذلك سقَطَ معه البحثُ، لأنه إنكارٌ لما جاء به الصادق المصدوق "اهـ.تسميتها بالإبراهيمية: الوجه الأول
تسميتُها «بالإبراهيمية الحنيفية» من وجوه:
(الأول) أنها لا تكون محمديةً بالوجْهِ الأخصِّ إلا إذا كانت إبراهيميةً حنيفية كما يشير إليه قوله سبحانه و تعالى [قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ] (الأنعَام: الآية 161).تسميتها بالإبراهيمية: الوجه الثاني
تسميتُها «بالإبراهيمية الحنيفية» من وجوه:
(الوجه الثاني) أنها ناشئةٌ عن الدائرة الفضلية التي منها اتَّخذ الله إبراهيم خليلاً في الأزل، قبلَ إيجادِه وإيجادِ الكون و ما فيه [وَلَقَدْ ءَاتَيْنَآ إِبْرَاهيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ] (الأنبياء: الآية 51) الآية.تسميتها بالإبراهيمية: الوجه الثالث
تسميتُها «بالإبراهيمية الحنيفية» من وجوه:
(الوجه الثالث) أنها طريقة شكر كما تقدم، و قد أثنى سبحانه و تعالى على إبراهيم بقوله [شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ ۚ] (النّحل: الآية 121) الآية.تسميتها بالإبراهيمية: الوجه الرابع
تسميتُها «بالإبراهيمية الحنيفية» من وجوه:
(الوجه الرابع) أن الله تعالى جَعَلها بمحْضِ فضله و كرمه معلم الخيرِ في هذا الزمان الذي هو آخرُ الأزمان، و ألبَسَها ملابسَ طاعته في السرِّ و الإعلان، فكانت أمة وحدَها قانتة لله تعالى حنيفة، و ذلك من مِلَّة إبراهيم كما أشار إليه قوله سبحانه و تعالى [إِنَّ إِبْرَاهيمَ كَانَ أُمَّةً قانِتاً للهِ حَنِيفاً] (النَّحل: الاية 120) الآية. قال الشيخ محيي الدين: "و الأمة: معلم الخير، و القانت: المطيع لله في السر و العلانية".تسميتها بالإبراهيمية: الوجه الخامس
تسميتُها «بالإبراهيمية الحنيفية» من وجوه:
(الوجه الخامس) أن من أركان هذا الطريق إسلامَ الوجْهِ إلى الله تعالى الإسلام التام، و الإنقياد إلى كل مأمور به على الوجه الأكمل في شريعة الإسلام ]إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [ (البَقرة: الآية 131) الآية، و الإسلام: الانقياد إلى الله تعالى عند كلِّ دعاءٍ يدعو إليه من غير توقف، قاله الشيخ محيي الدين. و انظر رسالة سيدنا المسماة بـ"الشافية" و غيرها من رسائله و نصائحه الكافية تزددْ تحقُّقاً بما ذكرناه، و تعثر بمحمدِ الله على المعنى الذي رمزناه.تسميتها بالإبراهيمية: الوجه السادس
تسميتُها «بالإبراهيمية الحنيفية» من وجوه:
(الوجه السادس) أن هذه الطريقة لما كانت طريقَ اجتباء سهلة لا حرَجَ فيها و لا مشقَّة و لا ضيق كانت إبراهيميةً حنيفية اعتباراً، بما أشار إليه قوله سبحانه وتعالى [هُوَ اجْتَبَكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ ] (الحجْ: الآية 78) الآية. و قد تقدمت وصيةُ سيد الوجود لسيدنا لما وقع له الفتحُ على يَديْهِ ، و أذن له في تربية الخلق على الإطلاق بقوله: "الزمْ هذهِ الطريق من غَيْرِ خُلْوةِ و لا اعتزالٍ من الناس..." الخ، انظر "جواهر المعاني".تسميتها بالإبراهيمية: الوجه السابع
تسميتُها «بالإبراهيمية الحنيفية» من وجوه:
(الوجه السابع) أن من شأن السالكين على هذه الطريقة أن يغلبَ على أحوالهم كثرةُ الحلم و الصبر على من يؤذيهم و ينقصهم، و كثرة التأوُّه لما يشاهدون من جلال الله تعالى، فلا تجدهم يتميَّزون عن عامة المؤمنين بشيءٍ مما يشير إلى الكمال، و لا يدعون لأنفسهم مع الله تعالى شيئاً من المقامات و الأحوال، بل ترى الغالبَ عليهم في كلِّ حال الإنابة إلى المولى الكبير المتعال المنفرد بالعزة و الجلال، سبحانه و تعالى، و ذلك من ملة إبراهيم [إِنَّ إِبْرَاهيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ] (هُود: الآية 75).تسميتها بالإبراهيمية: الوجه الثامن
تسميتُها «بالإبراهيمية الحنيفية» من وجوه:
(الوجه الثامن) من فضائل هذه الطريق أن من دَخَلها و أسلم قياده إلى صاحبها بطريق المحبة الخاصة و كمال التصديق كان من الآمنين عند الله تعالى في الدنيا و الآخرة، لقول سيد الوجود لسيدنا : "أنتَ من الآمنين، و كلُّ مَنْ أحبَّكَ من الآمنين..." إلى آخر كلامه في "جواهر المعاني". و قد تقدَّمت الإشارةُ لقول سيدنا : "مَنْ تركَ ورداً من أورادِ المشايخ لأجلِ الدخول في طريقتنا هذه المحمدية آمنَه الله في الدنيا و الآخرة..."، إلى آخر كلامه. و سنوردُه بعدُ إن شاء الله تعالى بتمامه. و قد قال مولانا جلَّ علاه في حق مقام إبراهيم عليه الصلاة و السلام [و َمَنْ دَخَلَهُ كَانَ ءَامِنًا ۗ ] (آل عمران: الآية 97).تسميتها بالإبراهيمية: الوجه التاسع
تسميتُها «بالإبراهيمية الحنيفية» من وجوه:
(الوجه التاسع) أن سيدنا إبراهيم عليه الصلاة و السلام أسْكَن ذريتَه و عيالَه وادي الحرم(1) بلا زاد و لا راحلة، فنادى مولاه سبحانه و دعاه باسم الربّ رجاءً لتربية ذُرّيته و عياله و أهله، و إيوائهم إلى جوار كرامته سبحانه و فضله، فقال فيما حكاه الله تعالى عنه في محكم وحيه: [رَبَّنَآ إِنِّيَ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرَ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتكَ الْمُحَرَّمِ] (إبراهيم: الآية 37) الآية، فكانت في ذلك إشارة إلى تربية ذريته و عياله بحقائق التوكُّل و الرضى و التسليم، و نعمت التربية هذه و البيت المحرم هو الذي يمنَعُ ساكنَه و قاصدَه من المُساكنة و الملاحظة و الاستناد لغيرِ الله تعالى، قاله صاحب "الرماح"، و هو على طريق أهل الإشارات كما لا يخفى. و صاحب هذه الطريقة و أرضاه أسكنَ ذريته و عيالَه الذين هم أهلُ طريقته عندَ بيتِ الله المحرم الذي لا يضيعُ من أَوَى إليه و لا يخيبُ من عَرََج في قصدِه عليه، و هو سيد الوجود و علم الشهود ، لأنه هو أستاذُهم و مربِّيهم و الضامن لهم و كفيلُهم و متولِّيهم. و في ذلك إشارة إلى تربيتهم بقَصْدِ النظر في استمداداتهم و استناداتهم عليه و صرف الوجهة في سائر تقلُّباتهم إليه. نعمت التربية هذه، لأنه هو بابُ الله الأعظم الذي مَنْ صدَّ عنه لا يجد باباً يدخل منه، والوسيلة العظمى التي من تخلَّف عنها لا يجد سببَاً يتعلَّق به، و رضي الله عن إمام دار الهجرة سيدنا مالك بن أنس في قوله للخليفة حين قال له: "أستقبل القبلةَ و أدعو، أو أستقبل القبرَ الشريف؟": "و أين تصرِفُ وجهَكَ عنه و هو وسيلتُك و وسيلة أبيك آدم ؟".
تسميتها بالإبراهيمية: الوجه العاشر
تسميتُها «بالإبراهيمية الحنيفية» من وجوه:
(الوجه العاشر) أن مدارَ دلالة صاحب هذه الطريقة على تعلُّق القلب بالله تعالى و على ما يوصِلُ إلى ذلك، و كلامه في رسائله و أجوبته و إملاآته طافحٌ من ذلك بما يبهرُ العقول، و لا يصدرُ إلا من أكابر الفحول. و من كلامه فيه ما نصُّه: "زبدةُ الأعمالِ الشرعية و غاية ارتفاعها هو التعلُّق بالله تعالى بلا انفصام و لا تزلزل و لو دَهَمَتْه دهماتُ الفتن الصعبة التي لا ينجو منها بانخلاع يدِه من الله تعالى و الإنفصام عنه، فهذا غايةُ العمل ومنتهاه" اهـ. و ذكر لذلك أمثلة تبينه فيمن قامَ به فانظرْ ذلك في "جواهر المعاني" إن شئت.
و من كلامه فيه أيضاً قوله لبعض من أوصاه بعد كلامٍ أوصاه به ما نصُّه : "و الأمرُ الذي لا بد منه بعد هذا، و هو بداية جميع الأمور و نهايتها، هو تعلُّق القلب بالله تعالى بالانحياش إليه(1)، و الرجوع إليه، و ترك ما سواه عموماً و خصوصاً..."، إلى آخر كلامه. فانظره في رسائله، و سيأتي في الكلام على أبياتِ النظم إنْ شاء الله تعالى.
و من كلامه أيضاً في ذلك بعد تقرير ما يتعلَّق بهذه المسألة ما نصُّه: "فالجوابُ في حقِّ السالك أن يمسي و يصبحَ ويظلَّ و يبيت، و ليس له مرادٌ إلا شيئين: الأول الله تعالى اختياراً له من جميع الموجودات و استغناءً به عنها و أنفةً من لحظها و لو لمحة، و غيره أن يختارَ سواه، و ليكن الله عزَّ و جلَّ مبدأ مرادِه و منتهاه، و أولَه و آخِرَه، و مفتتحه و مختتمه مستغرفاً لقصر مرادِه عليه فيما بين ذلك كله حتى لا تبقى عنده لمحةٌ يريد فيها غيرَه، لأن إرادةَ العبد إما طمَعٌ و إما عَبَثٌ كما تقدم. و الثاني: من مرادات السالك أن يكونَ لله تعالى خالصاً من رقية غيره، كامل التعلُّق به سراً و روحاً و عقلاً و نفساً و قلباً حتى لا تكونَ منه ذرةٌ متخلِّفةٌ من الله تعالى، و يكون واقفاً مع مراده عزَّ و جل، منسلِخاً عن جميع الإرادات و الاختيارات و التدبيرات و الحظوظ و الشهوات و الأغراض، و اقفاً في ذلك كلّه لله بالله مع الله، لا شيء منه لنفسه، و لا بنفسه، و لا مع نفسه. وليكن ذلك عبوديةً لله تعالى من أجله، وإرادةً لوجهه و أداءً لحقّ ربوبيته، لا ليعود عليه منه شيء و لا يختار مع الله عز و جل شيئاً عبوديةً له تبارك و تعالى، لا قنوطاً من خيرِه لأنه كفرٌ و تحسينُ طنِّ به لما هو عليه من كمال الصفات المحمودة" اهـ.
و هذا من ملة إبراهيم عليه الصلاة و السلام. و من كمال تعلُّقه بالله و تمام إخلاص وجهته إلى مولاه و تبرئه من التعلق بما سواه أنه أدرجَ في المنجنيق ليرقَى به في النار، فعرض له الأمينُ جبريل بعد ما أعرضَ عن ملك الرياح و ملك الأمطار، فقال له: "ألكَ حاجةٌ؟"، فقال له: "أما إليكَ فلا، وأما إلى الله فَبَلَى". فقال له الأمين جبريل": "فَسَلْه إذَنْ"، فقال : "عِلْمُه بحالي يغنيه عن سؤالي".
فمن أجل كون مدار الدلالة في هذه الطريقة المحمدية على هذه الحالةِ الشريفة السنية كانت إبراهيمةً حنيفة.
و يذكر عن بعضِ أهل هذه الطريق أنه رأى في بعض وقائِعه الخضرَ فقال له: "أنا الخضرُ فهل من حاجة؟" فقال له: "إن الله تعالى أغناني عنكَ و عن غيركَ من الأولياءِ بشيخي و وسيلتي إلى ربي سيدي أحمد التجاني ". فلا شكَّ أن مشربَ صاحب هذا الحال مشربٌ إبراهيمي، و فيه مع ذلك امتحان كبيرٌ لمن وقَعَ له ذلك كما لا يخفى.