التعريف بالشيخ | ما حصل له من باهر الفيضان بالعلم اللّدني

ما حصل له من باهر الفيضان بالعلم اللّدني

ثم أشار النَّاظم رَحِمَهُ اللهُ إلى ما حصل لسيدنا بعد اتفاق هذا الفتح الأكبر له الذي هو الاجتماع بسيد ولد عدنان من باهر الفيضان بالعلم اللّدني وغريب الذوق والوجدان فقال
:

(وفاضَ بالعلمِ اللَّدني ولاً

 

أتى لشِعبِ قُنة إذ هَمَلا

كَمْ آيةِ فسَّرها يوماً بِمَا

 

قصَّر  عَنه شأْوُ مَنْ تَقدَّما

وكَمْ حَديثٍٍ غامِضٍ مَعناهُ

 

بَيَّنه حتَّى بدا سَناهُ  

وَكَمْ لِهذا الشَّيخ مِن عِبارة

 

حلَّ بها مُستشكِلَ الإشارة)


(والعلم اللدني) هو علم الوهْبِ، أي هو الذي يحصلُ من لدنه تبارك وتعالى كما قال في حق عبده الخضر
« فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا »[الكهف: الآية 65] وهذا (العلم) هو علمُ العلماء بالله. وفي الكلام في تحقيق هذا المناط طولٌ وخروجٌ عما قصد من أجله في هذا التقييد المقول، وما تقدم في المقدمة من ذلك كافٍ في تعريف حقيقته في الجملة. ومن أراد الاستقصاء في ذلك فليطالع مظانَّه من كتب أهل التحقيق ومحله، و(الشعب) بالكسر: الطريق، وقيل: الطريق في الجبل يجمع على شعب (1)، و(القنة) ذروة الجبل، وتطلق على الربوة والكدية أيضاً و(هملا) جرى، وأراد بهذه الجملة أن علمه لما فاض جرى منسجماً في منحدر من البسيط ولم يجرِ في شعب قنة أو ربوة أو شيء يعترضه، فينحرف أو يقف عن الجريان. والكلام في طريقة التمثيل والظاهر أنه مأخوذ من مثل سائر أو تلميح إلى قصة أو بيت شعر، إذ لا يحسن الإتيان بمثل هذا عند علماء النقد والبلاغة إلا إذا كان كذلك، ولم يحضرني الآن ما أخذه، فمن عثرَ عليه فليلحقه بهذا المحل. و(الآية) هنا: الآية القرآنية وقصر إدراكه عن الشيء لم يبلغه علمه. و(الشأو) الغاية، والمراد هنا: المبلغ من العلم، و(الحديث) الخبر عن رسول الله ، و(غامض) من غمَضَ الحقُّ يغمُضُ غموضاً من باب قعد خَفِيَ، وغَمُضَ بالضم: لغةٌ، انظر المصباح. و(السناء) الضياء، و(العبارة) معروفة و(الإشارة) في اللّغة معروفة أيضاً، ويحتمله النظم فيعم، ويحتمل إشارة الأولياء فيخصّ وهو أظهر بل هو المتعين هنا والله أعلم.
يقول
: ولما أكرمَ الله تعالى بفضله الواسع العميم سيدنا بالاجتماع بهذا النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وحظي منه بما حظي به من كمال العطف والإقبال، فاضَ بالعلم اللّدني الخاص بالكمل من أهل القرب وفحول الرجال، ففسّر كثيراً من آيات القرآن الكريم، بما قصر عنه إدراكُ غيرِه في الحديث والقديم، وبيّن كثيراً من غوامض الأحاديث النبويّة بما اتَّضحت به وجوهُ إشاراتها السنية، ولطائف أسرارها الخفية، وحلَّ كثيراً من مستشكل الإشارة، لما أوتيه وخصَّ به كمال الذوق وسني العبارة، وانظر كتاب «جواهر المعاني» فقد عقد مؤلفه فيه لكل من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والإشارات العلوية باباً يغتبط به كل نبيه.

 

 

***


(1) جمع الشِّعب: شِعاب، وهو انفراج بين جبلين.