التعريف بالشيخ | من كرامات سيدنا
أنه لم يواجهه طولَ عمره بمكروه أحدٌ من خلق الله
ثم قال رَحِمَهُ اللهُ تعالى ورضي عنه:
(ولَمْ يُواجِهْه بمَكروهٍ أحدْ |
|
مِن الخَلائِق عَلى طُولِ الأبدْ |
وكانَ مَحفوظاً مِن الأعداءِ |
|
جَمِيعها مِنْ غَيرِ ما مِراءِ) |
(الأبد) الدهر، ويقال: الدهر الطويل الذي ليس بمحدود، والمراد هنا: إلى آخر العمر. و(المراء) الجدال، يقال: ماريتُه، إذا جادلته، ويقال أيضاً: ماريته: طعنت في قوله تزييفاً للقول وتصغيراً للقائل، ولا يكون المراءُ إلا اعتراضاً بخلاف الجدال.
ويقول: ومن كرامات هذا الشيخ الجليل على مولاه أنه لم يواجهه طولَ عمره بمكروه أحدٌ من خلق الله. ومن كراماته أيضاً التي لا مراء فيها ولا جدال أنه كان محفوظاً من أن تصِلَ إليه أيدي أعدائه بسوءٍ من فضل الرب المتعال. وأشار بالبيت الأول إلى ما بلغنا عن سيدنا الشيخ من أنه كان يقول في معرض ذكره ما منَّ الله تعالى به عليه بسابق فضله: من فضل الله تعالى عليّ لم يواجهني أحدٌ بما أكرَهُه من قوله. وأشار بالبيت الثاني إلى ما بلغنا عنه أيضاً من أنه كان يقول: سمعت من الحضرةِ أنه لا تصِلُ إلي يدُ أحدٍ بسوء اهـ. ومثل هذا من قول الكمل: سمعتُ من الحضرة أو قيل لي شائع معروف، ووجهه ظاهر عند كل من هو بالإنصاف والتصديق موصوف، ولا عبرة بمن عداه من كلِّ جاهل أو معاند متحامل، وقد تقدَّم كلام الشيخ زروق في هذا فراجعه إن شئت.
ومن جملة ما اتفق لسيدنا الشيخ مما هو مصداقُ هذا الذي ذكر ما حدثنا به غير واحد من فضلاء أصحابه ، من أهل فاس وغيرهم، أن بعضَ حكام فاس ومَنْ شايَعَه في فعله ألزموا الشيخ في كلمةٍ قالها ما ليس بلازمٍ، وكتبوا شهادتَهم بمقتضى إلزامِهم ولم يقصِّروا في التشنيع والتهويل، وبَعثُوا برَسْم الشهادة إلى حضرة السلطان مولانا سليمان قدَّس الله ضريحه، وكان إذ ذاك برباط الفتحِ، فاشتدَّ ذلك على أصحابه ، فلما رأى ذلك منهم سكَّنَ رُوعَهم (1) بأن قال لهم في شأن ذلك الرسم: بعدما يقرؤه يعني السلطان يطرَحه ولا يتكلَّم فيه، فكان الأمر كما ذكر .
واعلم أن هذه الكرامات الحسية عند القوم، إما أن تظهر للولي في نفسه، والمراد بها تعريفه بقدرةِ الله تعالى وفرديته وأحديته، ولهذا قد يجدُها أهلُ البدايات في بدايتهم دونَ أهل النهايات في نهايتهم لاستغنائهم عنها بما هم عليه من الرسوخ في مقامات اليقين، وإما أن تظهر فيه لغيره، فالمرادُ بها تعريفُ من شاهدها بصحَّةِ طريق من ظهرت عليه.
ومن هذا القبيل غالبُ ما يؤثر عن سيدنا الشيخ منها، وإلا فالمقرَّر من حاله وهو عدم الاحتفال (2) بها والاكتراث بذِكْرها كما هو مشهورٌ معروف، ومن هنا لم يحتفلْ أحد بتدوينها من أصحابه ، ومن تصدَّى لشيءٍ من ذلك نهاه وزجره وأمره بتمزيق ما جَمَع منه أو تحريقه.
***
(2) عدم الاحتفال: عدم الاهتمام.