التعريف بالشيخ | ارتحال الشيخ من مصر إلى البيت الحرام و ذكر من لقيه هناك
و ذكر من لقيه هناك
و جاءَ فِي شوّالٍ الكعبةَ في |
|
سنةِ سبْع دونَ ما توقُّفِ |
وَ كَانَ إذ ذَاكَ مِن الكِبارِ |
|
بعض بهَا و كَانَ ذَا أسْرَارِ |
فانتفعَ الشيخ به مكاتبه |
|
و لمْ تقَع بَينهُما مخاطَبَه |
فأخبرَ الشيخ بمَوتهِ فقالْ |
|
أنتَ الَّذي ترِث مَا لي من كمال |
فكانَ ما قاله و بشَّره |
|
بِمَا الزّبيبي بهِ قد أخبرَه |
المراد بالمجيء هنا: الوصول:
و (شوال) الشهر الذي يلي رمضان و هو معروف.
و (الكعبة) البيت الحرام. و هو من كَعَبَتْ المرأةُ تكعُب من باب قتل كَعابةً: نتأ ثَدْيُها فهي كاعب، سُمِّيت به تنويهاً. و قيل فيه غير ذلك، انظر "المصباح" (1).
و المراد بـ (سنة سبع) هنا سنة سبع و ثمانين و مائة و ألف (1187 هـ).
و (التوقف) في الشيء: التردُّد و عدم القطع فيه بشيء.
و (الكبار) جمع «كبير» و هو على حذف موصوف، أي الأولياء أو المشايخ الكبار أو نحو ذلك.
و (الأسرار) جمع «سرّ». و السرُّ يطلق في اصطلاح أهل الطريق على أمور كثيرة.
و المراد هنا أذكارٌ مخصوصة يتوجَّه بها على كيفيات مخصوصة بنيات مخصوصة في أوقات مخصوصة. و غايتها التي تحصلُ عندَها بإذن الله تعالى، الإستعداد لتلقي ما يرِدُ من حضرة الحق من المواهب و الفتوحات. و أما الأسرارُ بمعنى الخواصّ مما يذكره أهل السيمياء و الكيمياء(2)، فليست من أغراض أهل الطريق في شيء. فلا يحتفل بها إلا محجوبٌ عن طريق أهل الكمال، فلا يذهبْ بك الوهمُ نحوها إذا ذكرت في مثل هذا المجال.
و (المكاتبة) المراسلة بالكتابة.
و (المخاطبة): المواجهة بالخطاب مشافهةً كفاحاً من غير واسطة.
و (ترث) هنا معناه تحيط بمتخلفي و متروكي. و المراد هنا مقامه الخاص به بما اشتمل عليه في حضرته الخاصّة به من المعارف و الأنوار و العلوم و الأسرار، و ما يتعلَّق بذلك من الأحوال الجلالية و الجمالية و سائر النعوت الكمالية. و لذلك بين ذلك بقوله «من كمال».
و (الزبيبي) هو العارف المكاشف سيدي محمد بن الحسن الوانجلي الذي لقيه سيدنا بجبل الزبيب و أخبره بأنه يدرك مقام الشيخ أبي الحسن الشاذلي .
يقول: و لما ارتحل سيدنا من مصر المحروسة على ما تقدَّم انطلق حتى جاء و وصل الكعبة البيت الحرام، وحظي باستلام الركن والمقام(3). وذلك في شوال سنة سبع و ثمانين و مائة و ألف (1187) من هجرة نبيّنا ، و هي السنة الثانية من خروجه من الحضرة التلمسانية، أعادها الله دارَ إسلام. صرح بهذا في "جواهر المعاني"، و هو لا محالة حزام هذه المغاني(4)، والقول ما قالت حزام(5). فلهذا تعرَّض النَّاظم لنفي التوقف في هذا المقام.
و كان بمكة المشرفة زمنَ وصولِ سيدنا إليها بعضُ المشايخ الكبار المشار إليهم في تلك الديار بالمعارف اللّدنية و الأسرار. و هو حسبما تقدَّم في "جواهر المعاني" الشيخ الإمام الحبر الفهام، بدر التمام، و مسك الختام، و شمس الأنام، و قمر دائرة الأعلام أبو العباس سيدي أحمد بن عبد الله الهندي قاطن مكة المشرفة. فانتفع سيدنا على يده، فأخَذَ عنه علوماً و أسراراً و حكماً و أنواراً، لكن بالمكاتبة فقط و المراسلة من غير ملاقاة و لا مواصلة.
و كان من جملة ما كتب به لسيدنا و راسله به مع خديمه إخباره بزمن وفاته، وبأنه هو المحيط بالإرث لأسراره و كمالاته. و ذكر أنه في العشرين من حجة ذلك العام ينزل به محتوم الحمام. ثم أقسم عليه بما له من أكيد الحقِّ لديه أن يأخذ بيدِ ولده من بعده و يحسن إليه؛ و شافَه الخديم الشهير بينهما بأن قال له، و أشار إلى سيدنا و أرضاه و عناه: "هذا هو الذي كنت أترجّاه"، فقال الخديم: "هذه مدةٌ من ثمانية عشر عاماً و أنا في خدمتك أرتقب ما يعود علي من جهتك، والآن أتى رجل مغربي تقول هو الوارث لسائر كمالات منصبي"، فقال له الشيخ: "هذا مما ليس لأحد فيه اختيار، وإنما هو بيد الفاعل المختار، فهو سبحانه يؤتي فضله من يشاء و يخلق ما يشاء و يختار، و لو كان لي في الأمر اختيار لكان ولدي أولى من أخصُّه بالإيثار". فكان الأمر كما قال، و نزل به الأجل في التاريخ الذي ذكره تصديقاً لذلك المقال.
فدعا سيدنا و أرضاه ولده فاختلى به و أكرمه وفق وصية والده و حَباه من الأسرار ما حباه(6)
و كان من جملة ما خصَّ به سيدنا من الأسرار العرفانية ذكر يداومه سبعة أيام فيظفر بالفتوحات الربانيّة، لكن بشرط أن ينعزل، بعد ذلك العمل، كما هو عليه عن الخاص و العام، فلا يراه أحدٌ من الأنام. فلم يفعلْ سيدنا لهذا الشرط المشروط، و شأن الهمّة العلية كله باتساع النظر منوطٌ، وبنور العناية محوط: «كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا» [الإسرَاء: الآية 20]
و لعمله على هذا الشرط لما حاول منه سيدنا أن يسمح بالمشاهدة و العيان اعتذرَ له و أحاله عند وصوله للمدينة المنورة على القطب السمان. و ممَّا أخبر به أيضا مكاتبة بلوغه مقام الشاذلي وفق ما تقدَّم له من العارف الوانجلي فيما فاجأه به أول المخاطبة.
وعقد النَّاظم رَحِمَهُ اللهُ في هذه الأبيات ما ذكره في "الجواهر" على حسب ما سمح له به قلم التعبير فأدمجت في سبكها ما أخلَّ به مما يتعلَّق بترجمة هذا الشيخ الكبير و أرضاه، و جعل الوجه الجميل متقلّبه و مثواه.
*****
(1) وفي
اللسان (كعب):
«وكَعَبَت الجاريةُ، تكْعُب وتكْعِبُ، الأخيرة عن ثعلب، كُعُوباً وكُعُوبةً
وكِعابةً وكَعَّبَت: نَهَد ثديُها. وجارية كَعابٌ ومُكَعَّبٌ وكاعِبٌ، وجمع
الكاعب كَواعِبُ»
(2) السيمياء: السِّحر، وحاصله إحداث مثالات خيالية لا وجود لها في الحسّ. والكيمياء: الحِيلة والحذق، وكان يراد بها عند القدماء: تحويل بعض المعادن على بعض.
(3) الركن: هو الركن اليماني، من أركان الكعبة (معجم البلدان: 3/64). والمقام: هو الحجر الذي قام عليه إبراهيم عليه السلام حين رفع بناء البيت وقيل: هو الحجر الذي وقف عليه حين غسلت زوج ابنه إسماعيل رأسه، وقيل: بل كان راكباً فوضعت له حجراً من ذات اليمين فوقفت عليه حتى غسلت شق رأسه الأيمن ثم صرفته إلى الشق الأيسر فرسخت قدماه فيه في حال وقوفه، وقيل غير ذلك. (معجم البلدان: 5/164).
(4)المغاني: المنازل.
(5)الصواب «حذام» بالذال.
وهو مثل في مجمع الأمثال: 2/499، ويضرب في التصديق. أي القول السديد المعتد به ما قالته، وإلا فالصدق والكذب يستويان في أن كلاً منهما قول. وقال ابن الكلبي: إن المثل للْجيم بن الصعب وكانت حذام امرأته، فقال فيها زوجها لجيم:
إذا قـالــت حــذام فــصــدّقــوها فــإن الــقــول مــا قــالــت حــذامِ
وهو من أشعار الشواهد.
(6)حباه: منحه وأعطاه.
(2) السيمياء: السِّحر، وحاصله إحداث مثالات خيالية لا وجود لها في الحسّ. والكيمياء: الحِيلة والحذق، وكان يراد بها عند القدماء: تحويل بعض المعادن على بعض.
(3) الركن: هو الركن اليماني، من أركان الكعبة (معجم البلدان: 3/64). والمقام: هو الحجر الذي قام عليه إبراهيم عليه السلام حين رفع بناء البيت وقيل: هو الحجر الذي وقف عليه حين غسلت زوج ابنه إسماعيل رأسه، وقيل: بل كان راكباً فوضعت له حجراً من ذات اليمين فوقفت عليه حتى غسلت شق رأسه الأيمن ثم صرفته إلى الشق الأيسر فرسخت قدماه فيه في حال وقوفه، وقيل غير ذلك. (معجم البلدان: 5/164).
(4)المغاني: المنازل.
(5)الصواب «حذام» بالذال.
وهو مثل في مجمع الأمثال: 2/499، ويضرب في التصديق. أي القول السديد المعتد به ما قالته، وإلا فالصدق والكذب يستويان في أن كلاً منهما قول. وقال ابن الكلبي: إن المثل للْجيم بن الصعب وكانت حذام امرأته، فقال فيها زوجها لجيم:
إذا قـالــت حــذام فــصــدّقــوها فــإن الــقــول مــا قــالــت حــذامِ
وهو من أشعار الشواهد.
(6)حباه: منحه وأعطاه.