سند و شروط الورد | سند الوِرْدِ
سند الوِرْدِ
أخذَ هذا الوِردَ شيخُنا الإمامْ | عَنِ الرَّسولِ المُصْطَفى خَيرِ الأنامْ |
يَقْظةً و كلُّ ما سَيذكرُ | مِنَ المَآثرِ فَعنهُ يُنشَرُ |
(الأخذ) هنا: معناه التلقِّي و التقيُّد بالعهد، و (اليقظة) ضد المنام، و (المآثر) المراد بها الفضائل و الخصائص، و (النشر) الإشاعة و المراد هنا: الرواية، أي فعَنْه يروي ومنه يتلقَّى.
و آثر التعبيرَ بالمضارع قصداً منه إلى التنبيه على أن الفضل يدوم ذكرُه و نشره إلى آخر الدهر بدوام هذه الطريق بوعدٍ من النبي صادقٍ لا خلفَ له، حسبما هو مبسوط في محله.
يقول: و أما إن سألتَ من سند سيدنا في هذا الورد المحمدي الأسمىٰ فقد أخَذَه عن سيد الوجود يقظةً و مشافهةً، فليس له فيه سندٌ و لا قدوة إلا هذا السند الأقوى و القدوة العظمى. و كل ما سيذكر لك من فضائل هذا الورد و أهله، في هذا النظام، فهو مما تلقَّاه سيدنا منه في حالِ اليقظة كذلك أيضاً لا حال المنام.
و قد صرَّح الشيخ بهذا الذي عقده النَّاظم رَحِمَهُ اللهُ تعالى هنا غير ما مرَّة، فيما نقل عنه من كلامه في هذا المقام و أفصح، بأن عمدته في هذا الوِرد هو سيد الأنام، و ذلك بعد أن أخَذَ عن عدَّةِ مشايخ، و تقيد بكثير من طرقهم المشهورة شرقاً و غرباً في بلاد الإسلام. فلم يقضِ الله له على أيديهم بوصول المرام، و أبت العنايةُ الربانية أن يكون لأحدٍ عليه مِنّة إلا لسيد الوجود عليه الصلاة والسلام.
و من جملة عباراته في ذلك قوله: « قد أخذنا عن مشايخ عدَّةٍ فلم يقضِ الله بتحصيل المقصود، و إنَّما سندنا و أستاذنا في هذه الطريق هو سيد الوجود قد قضى الله بفتحنا و وصولنا على يديه ليس لغيرِه من الشيوخ فينا تصرُّف ».
و قال في بعض رسائله التي أجاب بها بعضَ من كاتَبَه في ذلك و سأله عنه: سندنا في الورد المعلوم النبيّ، و أما المسبعات العشر فأخذناها مشافهةً عن شيخنا الشيخ محمود الكردي المصري، و هو أخَذَها عن الخضر مشافهة، و أما أحزاب الشاذلي، و وظيفة الشيخ زروق، و دلائلُ الخيراتِ و الدور الأعلى، فكلُّها أخذناها بالإجازة عن شيخنا سيدي محمد بن عبد الكريم السمان(1) قاطن المدينة المنورة على ساكنها أفضلُ الصَّلاة و السلام.
و لا يلتفتُ إلى من ينكِرُ الأخْذَ عن النبيّ مشافهةً، لأن إنكارها إنما هو لجهله بما تقدَّم من ثبوتِ جواز ذلك على وجه الكرامة الجائزة في حقِّ أهل الله تعالى باتِّفاق أهل السنة على ذلك. فإن كان ممن ينفي الكرامة كالمعتزلة و من في معناهم فلا كلامَ معه، و ليتركْ هو و عماه، و ليستعذْ بالله من بلواه. و إن كان ممن يصدِّق بالكرامة إلا أنه استثقل ذلك بعدم مطابقته لهواه من غير دليلٍ اعتمده في ذلك و اقتفاه، فهو ممن سجل عليه بالحرمان، و من جملة من استَحْوذ عليه الشيطان، فأنساه ذكرَ الرحمٰن، إذ لا أقلَّ في حقِّ الموفق من التسليم لما لم يبلغْه علمه و لم يصِلْ إليه إدراكُ عقله و نهاه. و إن كان إنما يستثقلُ قول الشيخ و أرضاه: « ليس لغيره فينا تصرُّف... » و مثله مما نحا مَنْحاه، مما يشير إلى الإستغناء عن المشايخ الذين كان أخَذَ عنهم قبل ذلك، فذلك لقصوره في علوم الطريق و عدم عثوره على شيء من أنفاس أهل الأذواق و التحقيق. و قد تقدَّم آنفاً قولُ سيدي إبراهيم المتبولي: « نحن في الدنيا خمسة لا شيخَ لنا إلا النبيُّ» ثم عدَّهم، و هو صريحٌ أو كالصريح في أنه لا يتصرَّف فيه و فيمن عدَّهم من تلك الجماعة إلا النبي.
و أصرحُ منه ما نقله الشعراني عن الشيخ أبي السعود بن أبي العشائر من قوله: « كنت أزورُ شيخي أبا العباس و غيره من صلحاء مصر، فلما فتح الله عليّ لم يكنْ لي شيخٌ إلا النبيّ »، و ذكر أنه كان يصافحه عقب كلِّ صلاة" اهـ. و قول هذا السيد صريحٌ في الإستغناء عن شيخه و غيره، لأنه ترك حتى زيارة شيخه لما فتَحَ الله عليه.
و نقل عن الشيخ أبي الحسن الشاذلي التصريحُ بنفي الإنتساب لشيخه لما فَتَح الله عليه بالإجتماع به و هو في كتب من ألف فيه شهير.
و نقل عن الشيخ عبد القادر الجيلاني أيضاً مثل ذلك، و كذا العارف بالله تعالى الشيخ أبو الشتاء الشهير بالخمَّار، فإنه سُئِل عن شيخه فقال: « قال عبد الله الغزواني إلى غير ذلك ».
و هل الإستثقالُ لما نقل عن سيدنا من مثل هذا مع عدم الإشتغال بشيء مما ذكر إلا محض عنادٍ و اتباع لهوى إن وَقَع ممن اطَّلع على كتبِ الطريق أو قصور ممن صدَرَ منه عن الإطلاع على مسالك التحقيق. اللهمَّ أرِنا الحقَّ حقّاً و ألهِمْنا بفضلك في اتباعه إيماناً و صدقاً آمين.
(1) محمد بن عبد الكريم المدني الشافعي، الشهير بالسمان، صوفي، فاضل، من أهل المدينة، مولده ووفاته فيها
(1130-1189 هـ). من كتبه «الفتوحات الإلهية في التوجهات الروحية».
انظر سلك الدرر: 4/60.
انظر سلك الدرر: 4/60.